حكومة سلام واجهت الأزمة الرئاسيّة فهل يواجه الحريري أزمة انتخابات نيابية؟

اميل خوري

يواجه الرئيس العماد ميشال عون وهو في مستهل عهده ما واجهه سلفه الرئيس ميشال سليمان خصوصاً في نهاية عهده بسبب إصرار سيئي النيّة على تأليف حكومة وحدة وطنية ليس فيها شيء من الوحدة ولا من الوطنية إلّا الشكل وقد سمّى الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله حكومة الرئيس تمّام سلام بـ"حكومة التسوية"، في حين سمّاها رئيسها بحكومة "المصلحة الوطنية" وإذا بها تتحوّل عند الممارسة حكومة "المصلحة الشخصية". فلولا سوء النيّات لكان تم تأليف حكومة مصغّرة كونها موقتة ولا مهمّة لها سوى الإشراف على الانتخابات الرئاسيّة ثم تستقيل. لكن تبيّن أن الذين أصرّوا على تأليف حكومة وحدة وطنية، كانوا يتوقّعون أن يطول عمرها لأن الانتخابات الرئاسيّة قد تتعطّل، وتنتقل صلاحيات الرئيس إليها، ليصبح كل وزير فيها رئيساً... وألّا تصدر قرارات مهمّة عنها إلّا بالاجماع أو بالتوافق... لذلك كان التنافس شديداً بين القوى السياسية الأساسيّة في البلاد على دخول الحكومة والحصول على الحقائب المهمّة ما جعل أزمة التأليف تستمر 11 شهراً، ولم تكن لتتألّف لولا تدخّل خارج يهمّه أن تكون الحكومة البديل من الشغور الرئاسي، خصوصاً أن حكومة تجمع الأضداد والمتخاصمين تبقى حكومة معرّضة للانفجار من الداخل كلّما أراد الخارج ذلك... وهكذا عاشت حكومة الرئيس سلام في هزّات دائمة تكاد تسقطها لو كان ذلك مطلوباً، وقد شلّت أعمالها الانقسامات حيناً والاعتكافات حيناً آخر ولا قرارات مهمّة تصدر عنها إلّا بعد توقيع كل الوزراء. فصار الخوف الدائم عليها إذ أن استقالتها تجعل لبنان بلا رئيس للجمهورية وبلا حكومة. وهو خوف فرض التمديد مرة أولى وثانية لمجلس النواب لئلّا يحصل عندئذ الفراغ الشامل الذي يهدّد لبنان بهويّته وكيانه ومصيره.

هذا هو الوضع المخيف الذي واجهه لبنان بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان وخلال مدة الشغور الرئاسي، فهل يواجه الرئيس عون، وهو في بداية عهده أزمة انتخابات نيابية تنشأ عن خلاف إذا ما استمر على القانون الذي ستجرى على أساسه الانتخابات كما واجه لبنان من قبل أزمة انتخابات رئاسية دامت سنتين ونصف سنة؟ وإذا كانت حكومة الرئيس سلام التي تألّفت لمدة قصيرة للاشراف على الانتخابات الرئاسية، طال عمرها في انتظار تأليف حكومة جديدة في مستهل عمر الرئيس عون وهي أيضاً حكومة مهمّتها الاشراف على الانتخابات النيابية المقبلة وكان ينبغي أن تكون حكومة مستقلّين. فهل ليطول عمر الحكومة الجديدة أيضاً إذا واجهت البلاد أزمة انتخابات نيابية كما طال عمر حكومة الرئيس سلام بمواجهتها أزمة انتخابات رئاسية؟ وتوقّع ذلك هو من أسباب التنافس الشديد بين الأحزاب والكتل على الدخول فيها وعلى جعل الحقائب المهمة من حصّتها لأنها حكومة قد يكون عمرها طويلاً إذا ما استمر الخلاف على القانون الذي ستجرى الانتخابات النيابية على اساسه ولا يعود عندئذ ثمة خيار سوى إجرائها على أساس قانون الستين أو التمديد مرّة ثالثة لمجلس النواب وهو ما يعلن الجميع وبالفم الملآن رفضهم ذلك.
الواقع أن اشتراط تأليف حكومة وحدة وطنية في كل مرة يوقع البلاد في ورطة قبل التأليف وبعد التأليف، بحيث تطول أزمة التأليف إن لم يكن لخلاف على الثلث المعطّل، فلخلاف على من تُعطى له الحقائب السيادية والخدماتية الدسمة. وبعد أن تواجه البلاد معاناة تأليف مثل هذه الحكومات، فإنها تعود لتواجه معاناة الخلافات والانقسامات بين أعضائها المتناكفين والمتناحرين لتصبح أعمالها مشلولة وتثبت فشلها وقلّة إنتاجها، لأن القوى التي تصر على تأليف حكومة "وحدة وطنية" قد يكون البعض سيّئ النيّة إذ أنه يعمل على إحداث أزمة تأليف ثم أزمة اتفاق على بيانها الوزاري، وخلاف على مواضيع مهمّة عندما تطرح على مجلس الوزراء وهذا يلحق ضرراً كبيراً بمصلحة الوطن والمواطن سياسياً وأمنياً واقتصادياً ولا سيما في ظروف دقيقة كالتي يمر بها لبنان حالياً. والقوى التي طالبت بحكومة وحدة وطنية كان بعضها يرمي الى تعطيل إنشاء المحكمة الدولية التي ستنظر في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، والقوى التي طالبت بحكومة وحدة وطنية تطبيقاً لاتفاق الدوحة، أراد بعضها تفجيرها من الداخل عندما كان رئيسها سعد الحريري يهم بالدخول الى البيت الأبيض لمقابلة الرئيس الأميركي، والقوى التي طالبت بحكومة وحدة وطنية موقتة مهمتها الإشراف على الانتخابات الرئاسية عمد بعضها الى تعطيل هذه الانتخابات سنتين ونصف سنة فطال عمرها، ونخشى أن يكون بعض من أصر على تأليف حكومة "وحدة وطنية" الآن أن يعطّل الانتخابات النيابية إذا ما استمر الخلاف مع القانون فيصبح لبنان برئيس ولكن بلا حكومة جديدة من انتخابات نيابية ولا مجلس نيابي فيقع الفراغ المخيف الذي يفرغ العهد من مقومات نجاحه.