بهجت قرني

الشباب هم غالبية المجتمع العربي، وقد يمثلون الثلثين في بعض الدول، لكن هل هم نقمة أم نعمة؟ وهل هم عنصر تجديد وإبداع داعم للأمن القومي، أم أنهم يشكلون عبئاً وقد يصبحون تهديداً لهذا الأمن؟

مع نهاية الحرب الباردة وميزان الرعب النووي الذي حكم الصراع العالمي، بدأت المجتمعات الغربية تركز على تحدياتها الاجتماعية والاقتصادية، والتي كان يسميها خبراء العلاقات الدولية «السياسات الدنيا»، على أساس أن خطورة تحول الحرب الباردة إلى حرب ساخنة ونووية هي ما يستأثر بـ«السياسات العليا». لكن المفاجأة كانت منذ حوالي 27 عاماً حين انتهت هذه الحرب الباردة بتحطيم حائط برلين الشهير الذي كان يمثل الحاجز الرمزي والعملي بين «الكتلة الشرقية» (الاشتراكية) و«الكتلة الغربية» (الرأسمالية).

شعرت المجتمعات الغربية بالراحة مع انتهاء شبح الحرب النووية، وبدأت توجه بعض مواردها المالية إلى مواجهة التحديات الداخلية، مثل الصحة، والتعليم، والبحوث العلمية لا سيما حول بعض الجماعات الرئيسة في هذه المجتمعات، وفي مقدمتها الشباب. فالشباب، بطاقته الفائقة وقدرته الإبداعية، يشكل الجزء الأساسي من الحاضر وهو المستقبل كله. ويتفق الجميع على أن الفئة العمرية (15 -29 عاماً) هي جيل فخور بقدراته وله صوته المسموع. إنه قوة دافعة في المجتمع، ليس فقط من الناحية الكمية، ولكن من الناحية الكيفية أيضاً. هو الجيل الذي يعشق كل ما هو جديد، خاصة في التكنولوجيا.

وهكذا تعددت الدراسات البحثية الجادة عن هذه الفئة التي تؤثر على حاضر المجتمع وتشكل مستقبله. ورغم وجود دراسات وطنية في المجتمعات المختلفة -من فرنسا إلى ألمانيا إلى فنلندا- فإن أول دراسة عالمية مقارنة تركز على منطقة الشرق الأوسط، جاءت من مؤسسة بروكنجز: «جيل في الانتظار»، وساهم فيها العديد من الباحثين العرب. وبعدها توالت الدراسات حول الشباب العرب وآخرها مشروعان كبيران:

1- تقرير التنمية الإنسانية العربية لسنة 2016 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهو متشائم إلى حد كبير حول حاضر الشباب العربي، وحول الوضع العربي في المستقبل القريب. وبالإضافة إلى ملحقه الإحصائي التفصيلي، يشتمل التقرير نفسه على بيانات في 27 إطاراً، و48 شكلاً بيانياً، و14 جدولاً. وبالتأكيد سيتوالى تحليل هذه البيانات ونتائج التقرير ككل، بسبب مكانة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والموارد التي استثمرت في إنجاز هذا التقرير.

2- مشروع الاتحاد الأوروبي المعروف باسم SAHWA، والذي بدأ منذ حوالي 3 أعوام بتمويل أوروبي يقارب 2.5 مليون يورو، ويجمع باحثين من 15 جامعة ومركزاً بحثياً في أوروبا وبعض الدول العربية المتوسطية: الجزائر، تونس، لبنان، مصر، والمغرب. وقد نُظم في القاهرة مؤخراً اجتماع لمناقشة النتائج النهائية للمشروع، مما يبين أهميته، خاصة عندما ترتكز هذه النتائج على منهجية علمية دقيقة، سواء كمية، مثل مسوح الرأي العام، أو كيفية، مثل المقابلات مع الشباب أنفسهم في الدول الخمس.

كان من الطبيعي أن يؤدي هذا الاستثمار المالي والبشري على أيدي عدد من الهيئات العلمية، إلى نتائج بحثية مهمة لا يتسع المقام هنا لتفصيلها. فمشاكل البطالة والتعليم مثلاً تأتي في مقدمة التحديات، لكن وضع هذه التحديات في إطارها المعاصر يزيح الستار عن معلومات حيوية ترشد واضعي السياسات، بما في ذلك الفجوة بين التعليم وسوق العمل، وانعدام تكافؤ الفرص، حيث تقول الغالبية الساحقة في هذه الدول إن الواسطة تأتي قبل المؤهلات في الحصول على وظيفة.

وهناك نتيجة مهمة أخرى، هي أنه رغم الظروف الصعبة، فإن أغلبية الشباب (من 70% إلى 85%) لا تود الهجرة، لكنها مجبرة عليها.

ألم يكن من الأجدر أن تقوم منظمات إقليمية محلية، مثل جامعة الدول العربية، أو منظمة التعاون الإسلامي، بمثل هذه الأبحاث، حيث إن الشباب هو فعلاً الأمن القومي العربي في ثوبه الجديد.