تشير حالة الاقتصاد السعودي إلى وجود جهود ملموسة أسهمت في إصلاح الهيكل العام للاقتصاد.

عبدالعزيز الفكي

راهن اقتصاديون سعوديون على مجموعة عوامل حيوية ستسهم في رفع كفاءة أداء الاقتصاد السعودي خلال عام 2017، رغم وجود تحديات كبيرة تواجه الاقتصاد العالمي عامة والمنطقة خاصة، يأتي في مقدمة تلك العوامل عدم وضوح رؤية واضحة للاقتصاد العالمي والمخاطر الجيوسياسية الموجودة في المنطقة. ولكنهم أشاروا إلى أن عام 2017 سيمثل البداية الفعلية لتنفيذ برنامج التحول الوطني ورؤية السعودية 2030.

وأكدوا أنه على الرغم من التحديات الماثلة إلا أن هناك تفاؤلا لأداء الاقتصاد السعودي خلال عام 2017؛ وذلك لعدة عوامل، أهمها: تحسن أسعار النفط خصوصا بعد الاتفاق الذي تم بين دول "أوبك" وبين الدول المصدرة خارج أوبك خصوصا روسيا.

وأشار الاقتصاديون إلى أن حالة الاقتصاد السعودي تشير إلى وجود جهود ملموسة أسهمت في إصلاح الهيكل العام للاقتصاد من خلال توفير البنية التحتية لتنوع الموارد الاقتصادية، فضلا عن الأثر الاقتصادي الإيجابي للمشاريع التي دشنها خادم الحرمين الشريفين في المنطقة الشرقية وهي مشاريع متضمنة في مؤشرات الأداء لبرنامج التحول الوطني مثل مشاريع قطاع الإسكان ومشاريع القطاع الصناعي والطاقة.

وقال لـ "الاقتصادية" محمد العمران، عضو جمعية الاقتصاد السعودية، إن أداء الاقتصاد السعودي سيكون أفضل من أدائه في عام 2016، ولكن على الرغم من ذلك فإن الاقتصاد السعودي أمامه تحديات كبيرة للغاية في مقدمتها عدم وضوح الرؤية للاقتصاد العالمي واقتصاد المنطقة في ظل المخاطر الجيوسياسية الموجودة وتذبذب أسعار النفط العالمية وعدم وضوح اتجاهاتها بشكل واضح.

وأوضح العمران أن السعودية ماضية بجدية كبيرة في تنفيذ برنامج التحول الوطني ورؤية السعودية 2030، حيث يعتبر عام 2017 بداية التنفيذ الفعلي لبرنامج التحول الوطني ورؤية 2030، على أرض الواقع، فقد كان عاما 2015 و2016 عامي التخطيط ورسم الخطط الاستراتيجية الاقتصادية للبرنامج والرؤية. لذا يرجح أن عام 2017 ستبدأ فيه خطوات التنفيذ الفعلي لخطط الخصخصة وتقليل اعتماد المملكة على النفط والتوجه لتنويع مصادر الدخل.

وأشار إلى أن نتائج أداء الاقتصاد السعودي في عام 2017 ستنعكس بشكل كبير على الاقتصاد بحلول عام 2020 وما بعده، حيث سنشهد بداية تنفيذ مشاريع الخصخصة الحكومية بشكل أوسع في 2017 وما بعدها، حيث بدأت عملية التخطيط والتنفيذ بشكل جيد ومدروس وبعدها ستأتي مرحلة تقييم أداء الاقتصاد، مشيرا إلى أن السعودية ماضية في تنفيذ هذه السياسات والبرامج الاقتصادية بغض النظر لتقلبات أسعار النفط، حيث إن البرنامج الوطني ورؤية 2030 ليست لها علاقة بأسعار النفط وتقلباتها، وإنما تعمل في اتجاه تنويع مصادر الاقتصاد السعودي. ولفت إلى أن السعودية ستستمر في سياسة السحب من الاحتياطي وطرح السندات الدولية خلال الأعوام المقبلة وهذا أمر واضح من السياسات المعلنة التي بدأ تطبيقها فعليا.

بدوره، قال لـ "الاقتصادية" عبد الله حمد الفوزان رئيس مجلس إدارة كي بي إم جي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وكي بي إم جي في السعودية، هناك تفاؤل لأداء الاقتصاد السعودي 2017؛ والسبب في ذلك يعود لعدة عوامل أهمها تحسن أسعار النفط خصوصا بعد اتفاق "أوبك" والدول المصدرة خارج أوبك وخصوصا روسيا والذي ظهرت نتائجه مباشرة؛ حيث ارتفعت أسعار النفط إلى 56 دولارا فيما تشير التوقعات إلى تخطيها حاجز 60 دولارا للبرميل خلال العام المقبل، ما يعد عاملا مطمئنا.

أما العامل الآخر المهم ـ حسب الفوزان ـ يتمثل في وضوح الخطوط العريضة في جدية الدولة في تطبيق خطة التحول الوطني وما يتضمن ذلك من إعادة هيكلة عديد من القطاعات الاقتصادية، وأكبر دليل على مصداقية تنفيذ خطة التحول الوطني التعيينات الأخيرة في المناصب القيادية في الجانب المالي والإداري وعلى الرغم من صدور قرارات تقشفية قد تسهم في خفض النمو إلا أنها ترسل رسائل إيجابية واضحة على جدية الدولة في تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد هيكلي منظم.

وأشار الفوزان كذلك إلى أن الانفتاح على الاستثمار في كثير من القطاعات الاقتصادية بشكل جاد وعقد شراكات مع شركاء مهمين عالميا في قطاعات مهمة كقطاع الطاقة والغاز والتعدين والترفيه وغيرها، والاهتمام بملفات كثيرة سيسهم في رفع مستوى الأداء الاقتصادي ومن أهمها زيادة دور القطاع الخاص من خلال خصخصة بعض القطاعات المهمة، مثل: قطاع الرعاية الصحية والتعليم.

وتابع الفوزان: بشكل عام فإن مستوى تنفيذ خطة التحول الوطني يسير بخطى جيدة في ظل وجود قيادات جادة، حيث من الممكن أن يتم جني بعض نتائج خطة التحول الوطني في 2017، ولذلك لا أرى أن يكون هناك هبوط أو انخفاض في الاقتصاد السعودي أو ركود بمعنى الكلمة؛ فإذا لم يكن هناك ثبات سيكون هناك نمو لكنه نمو بسيط مدعوم بقرارات اقتصادية قوية من الدولة وارتفاع أسعار النفط، كما أن هناك مؤشرات إيجابية بوجود حلول لبعض المشكلات السياسية التي تمر بها المنطقة إضافة إلى الزخم الكبير بين دول الخليج واحتمالية أن يتبلور ذلك إلى قرارات مهمة؛ من شأنها أن تسهم في إصلاح الوضع الاقتصادي بشكل عام.

ويرى الفوزان أن الوضع الاقتصادي مقارنة باقتصاديات دول مجموعة العشرين يعتبر في منطقة آمنة.

وأفاد بأن المملكة تشهد وضوحا في السياسة الداخلية والخارجية ووضوحا أيضا في محاربة الفساد وإكمال هيكلة الدولة وفصل التخصصات، ووضعها في تنظيم يسهم في تحقيق رؤية المملكة، حيث إن إعادة الهيكلة لا تزال تحت الإنجاز.

وتوقع أن يكون عام 2017 عام دفع نحو التنفيذ بشكل كامل ولا يمكن التعذر بعدم إكمال هيكلة الجهات الحكومية وعدم وجود التشريعات لأن الفترة الماضية كافية لجني ثمار هذه الخطة.

وشدد الفوزان على أن القطاع الخاص سيكون له دور كبير في إعادة ضخ جزء من الأموال في الاستثمار في الخطط المستقبلية وقيادة النمو بشكل مؤثر والابتعاد عن التخوف الذي كان موجودا في عام 2016 إضافة إلى المنشآت الصغيرة والمتوسطة بعد إنشاء هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي سيكون لها دور بارز، وذلك من خلال البدء في توجيه هذا القطاع ليوجد نوعا من النمو، كما سيكون للهيئات دور كبير أيضا كهيئة الزكاة والدخل التي ستقوم بإعطاء زخم لإيجاد موارد لخزانة الدولة كضريبة القيمة المضافة التي ينظر لها بشكل سلبي من قبل كثير من الأصوات التي أرى أنها جزء من إعادة الهيكلة المهمة والمناسبة.

وتابع: كثيرون في 2016 توقعوا الأسوأ للاقتصاد السعودي لكن النتائج لم تكن بهذا السوء، حيث إنها لو قيست بمقياس المصلحة العامة وما يحدث في المحيطين الإقليمي والعالمي من حولنا لتبين أنه تمت إدارة هذا الملف بشكل جيد رغم وجود انخفاض في بعض القطاعات؛ وذلك لأن جميع الاقتصادات تمر بمراحل تذبذب، حيث تمكنت المملكة من تجاوز المرحلة التي مرت بها خصوصا أنها تعرضت إلى انخفاض حاد في دخلها إلى نحو 70 في المائة؛ لذلك كان من الطبيعي أن تتم إعادة الهيكلة التي حدثت.

بدوره قال طارق الصقير، باحث في التشريعات الاقتصادية: إن هناك أثرا اقتصاديا إيجابيا للمشاريع التي دشنها خادم الحرمين الشريفين في المنطقة الشرقية، حيث إن هذه المشاريع متضمنة في مؤشرات الأداء لبرنامج التحول الوطني، وهي تعد جزءا من الأهداف الاستراتيجية. فمثلا مشاريع قطاع الإسكان طرحت منتجات سكنية ترفع نسبة تملك العقار لدى المواطنين وسيستفيد الحاصلون على المنتجات السكنية من توجيه نفقات أجرة المساكن إلى أقساط تسهل تملك العقار الذي عند تملكه سيخفف من وطأة التضخم ويرفع من القوة الشرائية للمستهلك نتيجة إزالة نفقات أجرة المساكن من مؤشر قياس التضخم ما يخفف من حدة معدلات التضخم في بيانات مؤشر أسعار المستهلك عند الرفع التدريجي لأسعار الطاقة في المستقبل.

كما نجد الأثر الاقتصادي لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ والحديث للصقير ـ في مشاريع القطاع الصناعي، حيث إن القطاع الصناعي من القطاعات التي تشهد نسبة كفاءة عالية من ناحية الثبات الوظيفي. وظاهرة الثبات الوظيفي ترتبط ارتباطا وثيقا بجاذبية واستقرار بيئة العمل وتعطي تصورا واضحا عن نوعية فرص العمل المتاحة في سوق العمل وتمييز المستدام منها والمؤقت، لذلك لا بد من قياس متوسط فترة بقاء العاملين في منشآت القطاع الخاص محليا ومقارنة البيانات المحلية بمعايير إقليمية ودولية حتى تعكس تلك البيانات تشخيصا دقيقا لواقع بيئة العمل التي بدورها ترفع كفاءة عملية صنع القرار الذي تتطلبه رؤية المملكة 2030.

وأوضح الصقير أن هناك عددا من الخطوات التي تحققت تجاه تنويع الموارد الاقتصادية لتخفيف الاعتماد على النفط في الموازنة العامة، حيث يمكن قراءة ذلك من خلال تقرير صندوق النقد الدولي عن حالة الاقتصاد السعودي، حيث يشير التقرير إلى ظهور قناعة لدى خبراء صندوق النقد الدولي بوجود تغيرات جذرية في الخطط الاقتصادية والسياسات المالية تعكس البدء في تجريد القطاع العام من الاعتماد على الموارد النفطية من خلال تنويع الموارد الاقتصادية ودفع القطاع الخاص إلى المشاركة في نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وأضاف أنه على الرغم من قناعة خبراء صندوق النقد الدولي من وجود بيئة اقتصادية خصبة لتحقيق معدلات نمو على المدى الطويل إلا أنهم شددوا على ضرورة وجود تشريعات تمنح أرضية صلبة ترتكز عليها بيئة الأعمال للقطاع الخاص.

وتابع: من الملاحظ أن حالة الاقتصاد السعودي تشير إلى وجود جهود ملموسة أسهمت في إصلاح الهيكل العام للاقتصاد من خلال توفير البنية التحتية لتنوع الموارد الاقتصادية، الذي شهدناه من خلال مساهمة القطاع الخاص بنحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، الذي من المتوقع أن تزيد نسبة مساهمته إلى 60 في المائة في عام 2030. ومع بداية تشغيل المشاريع الصناعية الكبرى في الجبيل 2 ورأس الخير، فإن تطوير القطاع غير النفطي سيعزز من الموارد المالية غير النفطية للموازنة العامة ويمنح وقتا كافيا للوفاء بمتطلبات التنمية المستدامة التي حددتها أجندة مجموعة العشرين.

وحول تأثر القطاعات الاقتصادية بخفض الدعم الحكومي لمصادر الطاقة كالكهرباء والوقود، أكد الصقير أن السياسة الاقتصادية السعودية دأبت على اعتبار مسألة دعم أسعار الطاقة مسألة استراتيجية لا تنحصر في الرفاهية الاجتماعية بل تتجاوزها إلى الحيلولة دون تأثر أحد القطاعات الاقتصادية سلبا بمتغير طارئ وبالتالي التساؤل المطروح هو ماهية نطاق مبدأ الدعم الحكومي للوقود وعن الكيفية التي تحدد استمرار الدعم أو إعادة توجيهه لقطاعات اقتصادية معينة دون أخرى، قائلا: إنه من المناسب التعرف على مفهوم حدة أو كثافة الطاقة وهو معدل استهلاك وحدة قياس من الطاقة لإنتاج وحدة قياس من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد، وهذا المفهوم يحمل في طياته استنتاجا جوهريا يسهم في تحديد نطاق الدعم الحكومي لقطاع الطاقة والمشتقات النفطية على وجه الخصوص، ذلك الاستنتاج هو معيار كفاءة الطاقة لدى القطاع الاقتصادي.

وأوضح أنه عند تطبيق ذلك المعيار نجد أنه من المهم أن يتحول الدعم الحكومي للنشاط الاقتصادي من القطاع ذي الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة إلى القطاع الذي تنخفض فيه معدلات كفاءة الطاقة لأن أي قطاع يستهلك كميات كبيرة من الطاقة لإنتاج ريال من الناتج المحلي الإجمالي يحتاج إلى دعم حكومي بشكل أكبر من القطاع الذي يستخدم كميات أقل من الطاقة لإنتاج الريال نفسه من الناتج المحلي الإجمالي.

وتابع: إن خفض الدعم الحكومي يصب في مصلحة خفض معدلات العجز في الميزانية العامة، إلا أنه لا بد أن يتزامن ذلك مع تطبيق مفهوم كفاءة الطاقة على القطاعات الاقتصادية المستهدفة حتى يكون تطبيق خفض الدعم الحكومي ضمن نطاق السياسة الاقتصادية التي ترتكز على الحفاظ على معدلات نمو اقتصادي التي تشكل ركنا من أركان التنمية المستدامة.

ويرى الصقير أنه يمكن رفع كفاءة أداء القطاعات الاقتصادية لمواكبة رؤية السعودية 2030 من خلال عاملين أساسيين، يتمثل الأول في تفعيل الرقابة الذاتية للنشاط الإداري للأجهزة الحكومية وهو الذي تم إنجازه من خلال برنامج التحول الوطني الذي يحوي مؤشرات أداء لقياس مدى تحقق الأهداف الاستراتيجية لرؤية المملكة. ويمهد برنامج التحول الوطني الطريق لمراجعة شاملة لكل نشاط إداري يؤثر في حيوية الاقتصاد المحلي. الذي يعول عليه حاليا هو التأكد من دقة رصد البيانات التي يتم تدوينها لتعكس الواقع الحقيقي لكل نشاط إداري ينفذ مبادرات الأجهزة الحكومية. ولتحقيق ذلك لا مناص من التعاون المثمر بين الجهات الرقابية والتنفيذية في مؤسسات الدولة للوصول إلى بنية معلومات متكاملة لصناعة القرار.

أما العامل الثاني فيتمحور حول معالجة المستجدات الاقتصادية بعنصر الإلزام من خلال مراجعة القواعد القانونية في الأنظمة، ولكن يجب الانتباه إلى أن التدخل التشريعي قد يضع قيودا على حيوية القطاع الاقتصادي المراد تنظيمه، ولذلك لا بد من دراسة العوامل المؤثرة في حيوية الاقتصاد قبل سنّ تلك المعايير الاقتصادية على شكل قواعد قانونية ملزمة حتى يحافظ التشريع على دوره المعهود في حماية الظاهرة الاقتصادية المراد تنظيمها دون المساس بحرية وحيوية القطاع الاقتصادي.