غسان حجار

إذا كانت السياسة هي فن الممكن لبلوغ الاهداف، فان الرئيس سعد الحريري بدا في الاعوام الاخيرة كأنه افاد بشكل كبير من خبرته ومن الصفعات التي تلقّاها في الداخل والخارج، ما أكسبه واقعية اعادته الى السرايا الحكومية، وبغيرها لم تكن عودته الى البلاد ممكنة إلا كلاجىء.

ادرك سعد الحريري ان الكفة لا تميل الى المحور الاقليمي الذي ينتمي اليه، فقرر اللعب في ميدان المحور الآخر. فتح حواراً ثنائياً مباشراً مع "حزب الله" وحافظ على وتيرة اللقاءات متجاوزاً كل التوترات التي كانت تنبت من هنا او هناك على هامش الحوار. رشّح النائب سليمان فرنجيه المقرب من دمشق، ليخرق التعطيل الذي مارسه "حزب الله" و"التيار الوطني الحر". ونقل الصراع الى داخل الفريق الواحد، فتوترت علاقة فرنجيه بالعماد ميشال عون، وتراجعت مع "حزب الله"، فانقسم الفريق الواحد حول هذا الترشح، واتسعت الهوة ما بين اعضائه.


وعندما اقفلت المعابر الرئاسية وعطلت حظوظ فرنجيه، كان لا بد من مبادرة اخرى تنهي الشغور، عندها قرر المضي بتبني ترشيح العماد عون الذي لم يكن ممكناً له دخول "قصر الشعب" من دون الغطاء السني الذي وفره له الحريري. وهكذا مضى في "صفقة" رئاسية – حكومية، اعادت تحريك عجلة الدولة ومؤسساتها.


قد يحلو لبعض المعترضين القول إنها صفقة خاسرة، لكن الواقعية السياسية لا يمكن ان تعيش في الماضي، وان تقوم على الاحلام، حتى لا نقول الاوهام. جرّب المسيحيون المقاطعة النيابية في العام 1992، فإذ بهم يقاطعون الدولة، ويقطعون علاقتهم بالمؤسسات زمناً طويلاً ما أشعرهم بالحرمان والاقصاء، وصاروا اليوم من اشد المطالبين باستعادة الوظائف الرسمية على كل المستويات. اثبتت المقاطعة انها فعل انتحار ليس اكثر. والامور تقاس بخواتيمها، وليس بالمواقف الاعلامية الشعبوية. وكان سبقهم الى مقاطعة الدولة قبل زمن بعيد الشيعة، ليتحولوا بجشع لا مثيل له الى اقتناص كل الفرص بعدما ادركوا عدم صوابية خيارهم.


بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، و"خلع" الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة، تراجع الدور السني، وكان ممكناً ان يستمر في الانكفاء اذا استمر غياب الحريري الابن عن البلد. وامام الاستحقاق الحكومي، كان ممكناً ان يخطىء الحريري بتشبثه برفض اسماء وحجب حقائب عن اسماء اخرى، ما يعيدنا الى دوامة التعطيل، والتأخير، والفشل. لكن قبوله، بما لا يمكن ان يقبله في ظروف عادية، في مقابل قبول الآخرين بأسماء وأعداد وحقائب لـ"المستقبل"، وخصوصا لـ"القوات اللبنانية"، والمضي في العمل الحكومي، لهي انجازات تسجل له لا عليه، لان المعترضين عبر الاعلام، لا يملكون حلولا سحرية اخرى، الا الانكفاء والمقاطعة، وهي خيارات لم تنجح سابقاً. فالعجلة تمضي معهم او من دونهم.