أحمد السيد عطيف

التيارات السنية المتقاتلة ربما لا تعي أنها تلعب في الملعب السياسي بأدوات ليست سياسية ولحساب غير حسابها أصلا، أما الإسلام كدين فهو غني عن خدمة كل تيار وكل أحد

التيارات الإسلامية السياسية لا تخفي تطلعها لأن يحكم الإسلام العالم، يحكم وليس ينتشر في العالم، وهم يقومون بالبروفات كلما سنحت لهم الفرصة، لا تختلف بعض تيارات السنة عن تيارات التشيع الإيراني.
الفوضى الأفغانية تمخضت عن تيار سني حالم تمثل في القاعدة وطالبان دمر أفغانستان وقام بـ"غزوات" حول العالم من باب تمكين الإسلام.
في فوضى الربيع العربي ظهر الإخوان المسلمون المتطلعون وفق أدبياتهم إلى أستاذية العالم، ولهم مرشد أعلى يحظى ببيعة المنتظمين في الجماعة من كل العالم، وهو بذلك جاهز ليكون خليفة المسلمين في اللحظة التالية من التمكين الذي لم يحدث وحسب طبائع الأحوال لن يحدث.
في الفوضى العراقية طوّر أحد أجنحة القاعدة نفسه وأعلن الخلافة التي تلكأت قاعدة قندهار في إعلانها، وظهر أمير المؤمنين في منبر جامع بالموصل في العراق يلقي خطبة قبول الإمارة، ويعين ولاته على الأقاليم العربية.
لكن تيارات من ذات المذهب السني نازعته الأمر، فكلهم يتطلعون لـ"حكم" العالم بالإسلام، خدمة للإسلام كما يصفون، لكن البغدادي سبقهم بالوصول إلى هذا "الحكم بالإسلام".
هناك خلل فيهم جميعا يتعلق بالمبدأ نفسه، الحكم بالإسلام. فهم لا يقصدون بالإسلام ذلك الدين الجامع في مبادئه العليا التي تجمع ولا تفرق، بل يقصدون بالإسلام الشريعة، والشريعة عندهم تشمل ما ورد من تشريعات في القرآن الكريم الذي لا ريب فيه، وما ورد في كتب الحديث، وما ورد عن فقهاء المذهب شاملا ما يفتي به شيوخ التنظيم، ولهذا تفرقوا وسيظلون متقاتلين، وتلك سنة الله تعالى في من اتخذوا دينهم شيعا وأحزابا. الدين في الأصل واحد جامع لا يقبل التفريق.
إن التطلع إلى حكم العالم بالإسلام هو مسعى سياسي بحت يستخدم الإسلام وسيلة لا أكثر مهما كان القائلون به مخلصين أو غير مخلصين. إنهم بذلك يسعون إلى "الحكم" بالإسلام، وليس لعبادة الله بالإسلام.
في الفوضى السورية ظهر الدور الشيعي الإيراني يتطلع ليس لحكم العالم، فهو أكثر واقعية من تيارات السنة، وإنما لحكم المنطقة العربية، ويمثل هذا التيار النظام الإيراني نفسه الذي لا يخفي مذهبيته الاثني عشرية للأبد حسب دستور إيران اليوم، ويسعى إلى تصدير ثورته حسب ما يملي عليه دستوره أيضا، وكما نرى فهو تيار متماسك لم يتشتت لأنه دولة قائمة بذاتها تلعب بنفسها بين اللاعبين، والمذهب الاثني عشري مؤسس على ولاية الفقية، والوليّ الفقيه لا بد أن يكون إيرانيا، ويشغل منصب المرشد الأعلى (وهو أكبر من سلطة الدولة)، ولهذا يحظى بالسلطة على إيران وعلى أتباعه في العالم، وهو بذلك جاهز لتولي خلافة المسلمين في اللحظة التالية للتمكين مثل مرشد الإخوان المسلمين انتظارا لظهور المهدي المنتظر الذي سيحكم الأرض ويملؤها بالعدل كما يصفون.
الفرق بين التيارات السنية المتناحرة التي تتقاتل هناك حتى أضاعت ملامح الثورة السورية وأذهبت ريحها، وبين اللاعب الإيراني أن هذا الأخير أكثر خبرة بالسياسة، فهو يرى "حلب السورية تشكل الخط الأمامي للثورة الإسلامية... وأن طهران باتت تبحث عن أمنها خارج حدودها الجغرافية" كما صرح قائد الحرس الثوري الإيراني محمد جعفري هذا الأسبوع، التيار الإيراني يعرف ماذا يفعل وحدود ما يفعل، ويستخدم حتى التيارات السنية دون أن تشعر، التيارات السنية المتقاتلة ربما لا تعي أنها تلعب في الملعب السياسي بأدوات ليست سياسية ولحساب غير حسابها أصلا، أما الإسلام كدين فهو غني عن خدمة كل تيار وكل أحد، ولا تعي هذه التيارات أن الإسلام نفسه لا يقرها على ما تفعله من اقتتالات وما تسفكه من دماء، لقد انخرطت في لعبة رسمها لها غيرها، مستغلا أوراقا من تراثها الديني، ولم يعد ممكنا الخروج من اللعبة إلا بمعادلة صفرية، إما أموت أو تموت أنت، وكل ذلك لا شأن للإسلام به. ألا وإن العبادات أنواع، عبادة السياسة بالدين، وعبادة الدين نفسه، وعبادة الوهم، أما عبادة الله تعالى فهي شيء مختلف تماما.