&سعيد جوهر

يناقش الفصل الثامن من كتاب فواز جرجس المواجهة بين «القاعدة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» بعنوان «داعش في مواجهة القاعدة: إعادة تعريف الجهاد والتحول من العالمية الى المحلية».

ويتناول الكاتب هنا العقبات الهيكلية والظروف الاجتماعية المختلفة التي تعرّض لها التنظيم، مثل الضربات التي تلقّاها تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق بين 2006 و2011 وعداء الرأي العام السني له واستمالة الولايات المتحدة قيادات سنية معروفة الى جانبها ضده وتقلص مصادر تجنيد الأجانب. وعندما انسحبت القوات الأميركية من العراق تركت التنظيم في حال سيئة، لكنه بعد ذلك أعاد تنظيم نفسه كإحدى أهم الجماعات السلفية الجهادية في العالم.

يرى جرجس أن الصعود المثير لتنظيم «داعش» وغيره من الجماعات الإسلامية المسلحة بصورة عامة يرتبط بالأزمة العضوية للدولة العربية، وهي أزمة حكم سياسي واقتصادي فاشل. مع ذلك من المهم تسليط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين تنظيم «داعش» وتنظيم «القاعدة» المركزي. يقول الكاتب أن من المهم تأكيد انتماء التنظيمين الى عائلة السلفية الجهادية ويتشاركان في الرؤية العالمية لتأسيس دولة إسلامية تحكم بشرع الله وليس بالقوانين الوضعية. يتميز تنظيم «القاعدة» بأنه يعمل تحت الأرض وبأنه عابر للحدود، لكن تنظيم «داعش» تمكّن من الاندماج مع المجتمعات السنّية المحلية ويعمل في ظل مفهوم الدولة. وبذلك يهدّد تنظيم «داعش» أساس النظام بعد التحرير، ويتميز عن غيره من الجماعات الجهادية الأخرى.

ويرى الكاتب أن تنظيم «الدولة» يمثل جيل ما بعد «القاعدة» المهووس بسياسات الهوية والذي يختلف في شكل جذري عن التنظيم الأم وهو «القاعدة» الذي يركز على العدو الأبعد.

&الخلافة على أرض الواقع

من الناحية العملياتية، استهدف أسامة بن لادن وأيمن الظواهري الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين (العدو الأبعد) ولم يسيطرا على إقليم وسكان، لكنهما نشرا خلايا تحت الأرض في عدد من المواقع بعد الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001. على العكس، فإن تنظيم «داعش»، ومن قبله تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»، ركزا على السيطرة على اقليم وبناء دولة في المناطق السنية التي تخضع لسيطرتهما في العراق وسورية. وعلى رغم اتفاق «القاعدة» و «داعش» على قيام الخلافة، فإن بن لادن ومن بعده الظواهري نصحا بالصبر وناشدا عدم الإعلان المتسرّع عن دولة اسلامية أو خلافة. وكانت أولويات «القاعدة» أمان قادته على حساب القيادة العملياتية للحركة. على النقيض من ذلك، كان «القاعدة في العراق» وتنظيم «الدولة الاسلامية في العراق» موجودين في العراق واستغلا الصراعات الجيوطائفية والمذهبية في المنطقة. وقد أعلن البغدادي عن «الخلافة الإسلامية» ليس فقط في العراق وسورية ولكن في كل العالم في حزيران (يونيو) 2014. ولا يزال التنظيم يسيطر على أجزاء واسعة من العراق وسورية بعد أكثر من عام على إعلان الخلافة.

يؤكد الكاتب أن النقطة الأساسية هي فشل «القاعدة» في إعلان الخلافة والسيطرة على أراض والاحتفاظ بها، بينما نجح «داعش» في ذلك. وقد يكون الأسلوب التدريجي الذي تبناه «القاعدة» لإعلان الخلافة يعود لعدم سيطرته على أراض مثلما فعل تنظيم «داعش». وقد جلب إعلان الخلافة آلاف المجندين الجدد من محليين وأجانب وإعلان المبايعة له من جانب منتمين لـ «القاعدة» في مصر وليبيا والصومال ونيجيريا وغيرها. وعلى رغم كسب التنظيم دعم المجتمع السني في العراق وبدرجة اقل في سورية، فإن العديد من التنظيمات السلفية الجهادية المناوئة تأمل بحدوث تصدع داخل التنظيم. ففي أول رد فعل على توسعه في افغانستان وباكستان والمناطق المحيطة، نشرت حركة «طالبان» خطاباً علنياً موجهاً الى التنظيم محذرة إياه من التدخل في أفغانستان.

لقد مثل إعلان الخلافة عن لحظة تحول بالنسبة الى نظام الدولة في الشرق الأوسط العربي ولا سيما بالنسبة الى السنة العرب. وبينما يستمر «داعش» في السيطرة على أراض وسكان، فسيجذب قطاعات من المسلمين من العالم كله وليس فقط متطرفين يتصورون أن الخلافة قد تجلب نهضة إسلامية. وقد مدح البغدادي وذراعه الدعائي أبومحمد العدناني المسلمين ولا سيما أصحاب المهارات مثل الأطباء والمهندسين وطلب منهم السفر الى دولة الخلافة والدفاع عنها. وفي العدد الثاني من مجلة التنظيم الالكترونية «دابق»، ناشد التنظيم المسلمين الهجرة الى أرض الخلافة. وجاذبية الخلافة أنها تمنح هؤلاء المجندين لها هدفاً أكبر للحياة ليكونوا جزءاً من مهمة تاريخية لإعادة الوحدة الإسلامية وتزودهم معنى قوياً للهوية الجمعية وخبرة مختلفة ولا سيما لشباب المسلمين الذين يشعرون بالتهميش في المجتمعات الغربية. وقد ثار التساؤل بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس في كانون الثاني (يناير) وتشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي عن أسباب انجذاب بعض الشباب الذي يعيشون في الغرب الى أيديولوجية «داعش». ويتم تجنيد هؤلاء الشباب من خلال «فايسبوك» و «تويتر» و «يوتيوب» و «انستغرام» وغيرها. ويعد التنظيم هؤلاء الشباب الذين يعيشون في الغرب بحياة أفضل في ظل الخلافة.

ويُعتبر «داعش» أخطر من «القاعدة» وفق محللين ومسؤولين غربيين، فقد تحول الى توجيه ضربات على الأراضي الأوروبية والأميركية وغيرها بعد تزايد ضربات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضده. وقد ناشد العدناني وهو الذراع الدعائي للتنظيم المسلمين في الغرب قتل مواطنيهم الذين يعيشون معهم.

تجدر الإشارة الى فشل الدول الغربية في خطاب مضاد لخطاب «داعش»، ولم تنجح محاولات تلك الدول في ثني بعض المجتمعات المسلمة عن الانخراط في ايديولوجية التنظيم وأفعاله. ويقترح الكاتب على تلك الدول أن تدمج المجتمعات المسلمة أولاً حتى تكون الرسالة المناهضة لتنظيم «داعش» مؤثرة وتكون لها استجابة كبيرة. وهناك أسباب كثيرة لتهميش الشباب المسلم في الغرب، منها غض الحكومات النظر عن المدارس الإسلامية والمساجد التي تتسامح مع خطابات التطرف، وتساهل الحكومات عن عزوف بعض قطاعات المجتمعات المسلمة عن الانخراط في المجتمع من خلال تقديم تسهيلات لهم بالترجمة وعدم فرض تعلم اللغة الأجنبية كشرط للحصول على مساعدات اجتماعية.

ويضاف الى خطر «داعش» الخلايا النائمة التي تستلهم تطرفها من دعايات التنظيم على الانترنت، والتي وإن لم تسافر الى «الخلافة» فهي متشربة بفكر التنظيم من خلال الفيديوات وغيرها من الوسائل التي تنقل فكر التنظيم الى كل بقاع العالم.

&المنظور القهري

يرى الكاتب أن تأسيس الخلافة واستخدام العنف المفرط سمحا لراية «داعش» بأن تطغى على راية «القاعدة» كرائد للسلفية الجهادية في العالم. فاستخدام القوة المفرطة والوحشية والتعذيب والإعدامات وغيرها يهدف ليس فقط الى ترويع الأعداء ولكن أيضاً إلى جلب انتباه العرب السنة والمجندين الجدد الذين يتوقون لهوية ولإقامة العدل في نظرهم، بالنسبة الى السنّة المظلومين في سورية والعراق وعبر العالم العربي. فهناك تحول نوعي في استخدام العنف وقد زاد وحشية تحت قيادة البغدادي مقارنة بـ «القاعدة». إن الإقناع والسيطرة هما وجهان لعملة واحدة بالنسبة للبغدادي حيث يحصل على الولاء والخضوع من خلال القوة المحضة والتخويف. لقد تبنى التنظيم عقيدة الحرب الشاملة من دون قيود. على سبيل المثل، استخدم عقوبات قاسية ضد السنة الذين أظهروا عدم الولاء والتململ. يضاف الى ذلك تعامله مع جبهة «النصرة» السنية، فقد حاربها التنظيم بضراوة. وهو لا يهتم كثيراً بآراء الفقهاء المتطرفين مثل أبومحمد المقدسي لتبرير أعماله، فقد وصفه التنظيم بالمخادع. وقد نشر العدد السادس من مجلة «دابق» صوراً للمقدسي وأبوقتادة وفي أسفلها عنوان «أئمة مضللون». وأصدر المقدسي فتوى في ايار (مايو) 2014 ضد «داعش» وقال أن البغدادي وقادة التنظيم مارقون ولم يطيعوا أوامر قيادتهم. وشن العدناني هجوماً قاسياً على هؤلاء الأئمة وهو ما يعكس أن أولوية التنظيم هي العمل والجهاد العنيف وليس التنظير الديني وهو ملمح مميز لتنظيم «داعش». وقد أدى العنف والرفض الكامل للتعددية الفقهية الى قيام شق كبير بين التنظيم من جانب والجماعات السلفية الجهادية الأخرى.

&الانقسام في المعسكر السلفي الجهادي

نتيجة انشغال قادة السلفية الجهادية بمستقبل الحركة الجهادية العالمية، قام المقدسي وأبو قتادة بشن هجوم لاذع على البغدادي وتنظيم «داعش». يفترض الكاتب أن هيمنة واحتكار «القاعدة» المركزية للجهادية العالمية وصلا الى نهايتهما. ولكن يرفض الجهاديون القدامى الحقيقة الجديدة ويأملون بإعادة إحياء «القاعدة» ويعتبرون أن «داعش» هو فورة وستنتهي. وقد اتهم أبو قتادة الاستخبارات الغربية ومبالغة الإعلام في زيادة أهمية تنظيم «داعش» أكثر من أهميته الحقيقية. وقال أبو قتادة لقناة «الجزيرة» أن «داعش» جزء من محاولة غربية للقضاء على المشروع الجهادي الذي لقي قبولاً شعبياً. يضاف الى ذلك أن المقدسي وأبو قتادة يتهمان تنظيم «داعش» بأنه ينفذ انقلاباً ضد تنظيم «القاعدة» لتدميره من الداخل وإفساد المشروع الإسلامي المتطرف الذي تم العمل عليه لسنوات. يرى الكاتب، على عكس ما يقول كل من المقدسي وأبوقتادة، أن ثورة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» ضد تنظيم «القاعدة» تمت في حياة بن لادن وليس بعد وفاته. وقد غطى تنظيم «داعش» على «القاعدة» الأم عام 2014. وساهم ضعف الظواهري في التمرد الكامل لـ «داعش» في 2013-2014. وبرر الكاتب عدم قيام بن لادن والظواهري بمواجهة أعمال البغدادي في العراق وبعدها رغم انزعاجهما من تحدي تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» للتنظيم الأم، بالواقعية السياسية. ويعني ذلك اعتبارات البقاء والصراع مع العدو الأبعد. فقد حاول كل من بن لادن والظواهري الحفاظ على وحدة حركة الجهاد العالمي بأي ثمن. وأصبحت شبكة «القاعدة» شبكة لامركزية خرج منها تنظيم «الدولة الإسلامية».

&تعميق الحرب الداخلية

موت بن لادن قصم ظهر «القاعدة»، فاختفاؤه قوض سلطة الحركة الجهادية العالمية في أعين قادة طموحين مثل البغدادي. إن الانقسامات بين «القاعدة» و «داعش» هي أكبر وأعمق من الخلافات السابقة داخل الحركة الجهادية. هناك خلافات على مستوى الشخصيات بين الظواهري والبغدادي، تضاف إليها خلافات حول المستقبل وهوية الحركة السلفية الجهادية. ينتمي كلاهما الى السلفية الجهادية ولكن هناك تفسيرات مختلفة لتلك الأيديولوجيا. يقف الظواهري ضد الحرب على الشيعة التي يخوضها البغدادي. يضاف الى ذلك إصدار الظواهري تعليمات جديدة بضرورة تركيز الجهاديين الحرب على الولايات المتحدة وأعوانها من النظم ولكنه نصح بعدم القتل العشوائي لغير المقاتلين مثل الشيعة والأقليات. ويرى البعض أنها محاولة من الظواهري للحصول على ثقة الجماهير والتمييز بينه وبين تنظيم «داعش».

لكن قادة «داعش» يعتبرون أن الظواهري خان إرث «القاعدة» والمجاهدين الذين ماتوا في سبيل هذا الإرث. وصب «داعش» غضبه على الظواهري، من خلال خطاب وجهه العدناني الى الظواهري متهماً اياه بإحداث فتنة بين الجهاديين وطالبه بالتوبة عن خطاياه. وطالت الحرب الأهلية بين الجانبين صفحات الانترنت وميادين القتال ولا سيما بين «داعش» و «جبهة النصرة». وعكس ذلك التناقضات الكبيرة بين الأيديولوجيا والفعل. وامتدت الصراعات الداخلية الى داخل تنظيم «داعش» في الرقة ودير الزور والموصل بين الأنصار (المحاربين الأجانب) والسوريين والعراقيين الذين يعتقدون بأحقيتهم في إدارة المناطق المحررة في بلادهم وليس الأجانب.

وقد أشار الكاتب الى الانقسامات داخل «القاعدة» أيام بن لادن، فقد كان هناك تذمر من المقاتلين الآتين من السعودية وشمال أفريقيا نتيجة التأثير الكبير للمصريين في بن لادن وسيطرتهم على الدائرة المقربة منه. ويرى الكاتب أن «القاعدة» لم يعد تنظيماً فيديرالياً من خلال تنظيمات موالية له على المستوى الدولي. وقد انقسمت الحركة بين بقايا «القاعدة» القديم وتنظيم «داعش» الصاعد. ورفض «داعش» الانسحاب من سورية بعد طلب الظواهري منهم ذلك. وقال العدناني أن الأمر مستحيل، لأن تنظيم «داعش» يطبق قوانين الله هناك، وكان ذلك إساءة بالغة للظواهري.

&انتصار «داعش»؟

يرى الكاتب أن تنظيم «داعش» في طور الصعود وكسب اليد العليا من الناحية العسكرية في العراق وسورية، وهو يهدد أيضاً سلطة «القاعدة» في اليمن ومصر وليبيا وأفغانستان وباكستان وأبعد من ذلك. وقد ربح التنظيم معركة كسب قلوب وعقول الشباب المسلم السني المتحمس من الناحية الأيديولوجية. وساهم الإعلان عن الخلافة في جذب جهاديين، مما أضعف قدرة «القاعدة» على المنافسة مع «داعش» وإيقاف انضمام قيادات ومحاربين لغريمه.

إن النكسات التي تعرض لها «داعش» مؤخراً على يد التحالف الدولي أفضت الى القيام بهجمات ضد أهداف أجنبية، لتحويل الانتباه عن الخسائر العسكرية التي تعرض لها التنظيم، مثل هجمات باريس. وبالتالي نجح في تعويض خسائره الداخلية بتحقيق مكاسب خارجية والحفاظ على صورته كتنظيم قوي وقادر على مواجهة الغرب حتى في عقـر دار الأخيـر. يضاف الى ذلك قيام التنظيم بانتقاد ليونة الظواهري وضعفــه بــشن انتقادات لاذعة لتوجيهاته، بخصوص التعامل مع الشيعة والأقليات. وركز البغدادي على الجهاد الهجومي وليس الدفاعي واستخدام آيات قرانية لتبرير الجهاد الهجومي. وأكسبه ذلك شعبية كبيرة بين المهمشين من العرب السنة وكذلك بعض الشباب المسلم الذي يعيش في الغرب. ويبدو أن خطاب البغدادي التحريضي وجـد أذناً صاغية لدى المتحمسين المسلمين والمجندين الشباب.

يختم الكاتب بالقول أن الظروف السياسية والاجتماعية في العالم العربي المعاصر غير مواتية لـ «قاعدة» الظواهري، وسيكون من المضلل أن نقول بنهاية التنظيم. إن الصراع لا يزال مستمراً، فللوقت معنى مختلف بالنسبة للجهاديين وهو يقاس بالعقود وليس بالسنوات أو الشهور، ويأمل الظواهري بأن تهور البغدادي سيقضي عليه.

يحارب تنظيم «داعش» على أكثر من جبهة وهو ما لا يمكن استمراره بصورة مطلقة. وتوضح بعض الدلائل أن التنظيم في موقف دفاعي اليوم في سورية والعراق. كما أن خسائره في بعض مناطق العراق تكشف هشاشة شعار «يبقى ويتمدد». ويرى الكاتب أن من المبكر الحكم على نهاية التنظيم ولكنه لم يعد قادراً على وضع شعاره موضع التطبيق. ويعتقد الكاتب أن سقوط «داعش» قد لا يكون وشيكاً ولكن يمكن تصوره في المستقبل القريب.