&&عبدالله بن بجاد العتيبي&&

كعادة كثير من الرؤساء الأميركيين قبله، يأتي الرئيس باراك أوباما في أشهره الأخيرة رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية لزيارة المملكة العربية السعودية ويحضر اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي.

جاء الرئيس للرئاسة عبر عدة معطيات كان من أهمها توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في الانتخابات، وكانت لديه أفكار تجاه الدول العربية للقضاء على أمرين؛ الديكتاتورية الجمهورية العربية وتنظيمات العنف الديني، وذلك عبر دعم حركات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ولكن النتيجة كانت مذهلة بحكم قوة التاريخ وقوة الاستقرار العربي، فانتشرت الفوضى واتجهت حركات الإسلام السياسي للعنف باتجاه معاكس لما أراد، وحين جاء دور السياسة، قادت السعودية المشهد الإقليمي.

لم يرق للإدارة الأميركية دخول قوّات درع الجزيرة في البحرين لمنع الاضطرابات فيها، ولكنها دخلت وحافظت على استقرار مملكة البحرين، ويأتي الرئيس الأميركي اليوم والسعودية بصدد تطوير قوة عربية مشتركةٍ تقوم بدور عربي يشبه دور قوات درع الجزيرة في دول الخليج.

لم يرق للرئيس رفض الشعب المصري لحكم جماعات الإسلام السياسي في يونيو (حزيران) 2013، ولكن السعودية دعمته ودعمت استقرار الدولة المصرية، وهو يأتي اليوم بعد الزيارة التاريخية للملك سلمان بن عبد العزيز لمصر والاتفاقيات التاريخية التي تم توقيعها والدعم اللامحدود لاستقرار الدولة المصرية ودعم مستقبلها الجديد.

في التفتيش عن حلٍ خلاّقٍ أو مفاجئ يمنحه إنجازًا خارجيًا يمكنه الاتكاء عليه، هرع الرئيس إلى إيران محاولاً صنع اختراقٍ سياسي في اتفاق مع إيران حول الملف النووي، وسعى جهده لحشد الدعم الدولي له، ووقعه مع دول الخمسة زائد واحد، وقدّمت دول الخليج الدعم له في قمة كامب ديفيد العام الماضي 2015، ولكنها تحفظت على الملفات الأخرى مع إيران.

وهو يأتي اليوم وإيران محاصرةٌ سياسيًا واقتصاديًا، عربيًا وإسلاميًا، وهي في حلفٍ مع روسيا ضده وضد دولته، وهي مدانةٌ خليجيًا وعربيًا وإسلاميًا بتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية، وهي مدانةٌ بدعمها المستمر للإرهاب وجماعاته وميليشياته. لديها اتفاق كبير مع «الشيطان الأكبر» الذي لطالما حاربته، ولكنها أصبحت شيطانًا بحد ذاتها باتفاقيات رسمية عربيةٍ وإسلامية.

يأتي أوباما للمنطقة وهي مختلفة تمامًا عما عهده، فالتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن يحقق وفق أعلى المعايير النجاحات والانتصارات، لا على الأرض فحسب بل بحلول السياسة ووعي القادة المتطور والمتجدد، وتحالف الدول المسلمة لحرب الإرهاب يرفع أعلامه ويوطد أوتاده، ومناورات رعد الشمال لم يزل أزيز طائراتها وعويل صواريخها وجهوزية قواتها تملأ آفاق المنطقة بأسرها.

مرحبًا بالرئيس مجددًا في منطقةٍ تطورت وإن لم تكن على هواه، ومرحبًا به ليكون شاهدًا على صناعة تاريخٍ جديدٍ في المنطقة، تاريخٍ يقول: يمكن صنع «استقرار الفوضى» والمراهنة عليه، ولكنه يقول أيضًا: إن خلق اضطراباتٍ تعيق استقرار الفوضى وتعيده لاستقرار الدولة أمرٌ ممكنٌ جدًا، ويمكن للرئيس مشاهدة ما يجري في العراق من حراكٍ رسمي وشعبي رافضٍ للتدخلات الإيرانية في شؤونه الداخلية ليأخذ العبرة.

بحسب بعض الصور المنشورة فقد كان للرئيس علاقات مع بعض القوى والرموز في الشرق الأوسط قبل توليه الرئاسة، وربما كان لها تأثير في تشكيل وعيه عن المنطقة، وتوضيح قراراته وتوجهاته السياسية تجاهها، وهو ما أعاد بنفسه تأكيده، ليوضح أن ما كان تحليلاً قد بات واقعًا، وما كان رؤيةً في سجف الغيب صار حقيقةً، وذلك بحسب ما نشرته صحيفة «ذا أتلانتيك» تجاه رؤيته لحلفاء أميركا حول العالم، ومنع المؤسسات السياسية الأميركية له من خوض مغامرات غير محسوبة العواقب.

إضافة لما سبق تحقيقه، عربيًا وإسلاميًا وأمنيًا، فقد جاء في البيان الختامي لمنظمة التعاون الإسلامي إدانة صريحةٌ لتصرفات إيران وسياساتها، فوفق ما جاء في البيان الختامي فقد «دان المؤتمر الاعتداءات التي تعرضت لها بعثات المملكة العربية السعودية في مدينتي طهران ومشهد في إيران، التي تشكل خرقًا واضحًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية والقانون الدولي الذي يحمي حرمة البعثات الدبلوماسية». كما رفض المؤتمر «التصريحات الإيرانية التحريضية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة العربية السعودية، إذ إن ذلك يعد تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، مما يتنافى وميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي وجميع المواثيق الدولية». لكن المؤتمر أكد «أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول الإسلامية والجمهورية الإسلامية الإيرانية قائمة على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها، وحل الخلافات بالطرق السلمية وفقًا لميثاق منظمة التعاون الإسلامي وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها».

وبحسب ما جاء في البيان، فقد دان المؤتمر، حزب الله، لقيامه بأعمال إرهابية في سوريا والبحرين والكويت واليمن، ولدعمه حركات وجماعات إرهابية تزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في المنظمة، بحسب ما نشرته «العربية نت».

لقد جرت في مياه السياسة الإقليمية والدولية مياهٌ جديدةٌ، وهي ستجري أكثر في المستقبل، وإن كان على الرئيس أوباما أن يجرب فقد كان حتمًا على الدول القائدة في المنطقة أن تفعل وأن تتصرف وأن تقود، وأن تفرض شروطها وتحمي حدودها وتراعي مصالحها بشتى الطرق وكل السبل.

مجددًا مرحبًا بالرئيس، في أزماتٍ لم يحلها، بل ساهم في تطورها، الأزمة السورية مع كل ما تستتبعه من أزمات لحلفائه في أوروبا، ومرحبًا به في الأزمة اليمنية التي وجدت طريقها للحل، ومرحبًا به في دولٍ حليفةٍ ولكنها قادرةٌ على حماية مصالحها بالرؤى الناضجة والسياسيات الحاكمة والتوجهات الملائمة.

الولايات المتحدة الأميركية دولةٌ حليفةٌ، وهي أقوى دول العالم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وهي ستبقى كذلك في المدى المنظور، ولكن التحالف مع الدولة لا يعني التحالف مع الشخص أيًا كان منصبه أو مكانته، فالحكم النهائي هو للمصالح المشتركة وللرؤى المتوافقة وللمستقبل الموعود.

أخيرًا، فإن الدولة السعودية تقود المنطقة بأسرها وتؤثر على قيادة العالم بأسره، وهي تمتلك من التحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية ما يمكنها من فرض مزيدٍ من القوة والفاعلية.

&

&