عبدالرحمن الطريري

&أهمية طريقة التفكير التي نزاولها وآلياته، لها دور كبير في توجيه السلوك الفردي والجماعي، ولذا عني علماء النفس بالدراسة والحث في هذا الموضوع بهدف معرفة العوامل المؤثرة، ومعرفة الأساليب الأكثر شيوعا، إضافة إلى معرفة كيفية تغيير طريقة التفكير.أوجه الاهتمام في الموضوع تناولت العوامل الوراثية، وأساليب التربية، والتعليم، ومحتوى المناهج الدراسية، إضافة إلى الثقافة العامة كمخزون اجتماعي مؤثر في الأفراد بصورة غير مباشرة من خلال الأحاديث، والقصص، والعادات والتقاليد التي إما أن تحفز على الانطلاق، والتفكير الحر، أو تحد من حرية الفرد وتوجد الكوابح، والمصدات التي تعوقه، وتجعله مترددا في اكتساب قناعة قد تتعارض مع ما يعتقده الوالدان، أو ما هو مقبول اجتماعيا حتى إن كان القبول لا أساس له.

&في النقاشات التي تتناول تعثر المشاريع، أو الفساد الإداري، والمالي تجد من الناس من ينظر لموضوع مناقشة الأمر، كما لو أنه من المحرمات، ولا يجب الخوض فيه، بل إن البعض يشك في نيات من يناقشون الموضوع بهدف معرفة الأسباب، وتلمس الحلول حرصا منهم على الوطن والمال العام لأن الجميع في مركب واحد مسؤولهم، والمواطن العادي. عبارة جلد الذات، والافتئات على المسؤول أصبحت من المصطلحات الشائعة في الوقت الراهن حتى إن من يسمع هذه العبارات يخيل إليه أنه ارتكب كبيرة من الكبائر، وعليه الإقلاع، والاستغفار عن ذنبه.

&يحلو للبعض المقارنة بنماذج سيئة، حيث يجادلك بأن مثل هذا الشيء يتكرر في البلد الفلاني، إذ على سبيل المثال مشكلات السيول المتكررة في بلادنا، وفي أكثر من مدينة عندما تتم مناقشة الموضوع ينبري من يتصدى لك متهما إياك بجلد الذات وعدم الموضوعية والإنصاف. انتقائية المقارنة بالنماذج السيئة هي طريقة تفكير تجعل صاحبها ينحاز للخطأ البين دون اكتراث بما يترتب على هذا الصنيع من أضرار مادية وبشرية، إضافة إلى إحساس المسؤول بالحماية والمنعة وهو يقرأ أو يسمع من يدافع عن أخطائه.&

أستغرب من البعض حين تكون مقارنتهم بالنماذج الرديئة، ولا يجعلون من النماذج المتقدمة المتحضرة أساسا للمقارنة، النماذج المتطورة تجد في محاكاتها جودة النظام، العدل، الأمانة، النزاهة، الحرص على المال العام والممتلكات وتطبيق النظام على الجميع، والمساءلة والمحاسبة، دون محاباة لأحد. ميل الأفراد لاختيار النماذج السيئة طريقة تفكير عقيمة تحول صاحبها إلى محام عن الخطأ وعن مرتكب الخطأ حتى لو كان متعمدا. ثم لماذا لا نفكر بطريقة أخرى؟ لماذا لا نجعل من أنفسنا نموذجا يحتذى ويقتدى به في جودة الممارسة ودقتها؟&

طريقة التفكير الانتقائية تقود صاحبها إلى تبرئة الفاسد وإزاحة أوزاره إلى شخص آخر قد يكون أضعف شأنا، أو أقل حيلة، وليس لديه ما يحميه، وذلك بهدف صرف النظر عن العابث، والمتلاعب الحقيقي، والتفكير بهذه الطريقة من شأنه تشجيع فاسدين آخرين لتتراكم الممارسات السيئة وتضيع الأموال والجهود سدى، ليجد الجميع أنفسهم وقد تبخرت أحلامهم وضاعت آمالهم بين فاسد فاقد للأمانة، وبين مدافع عنه. ما من شك أن أي مجتمع تسود فيه طريقة التفكير هذه ستقتل الغيرة على الشأن العام، وتغرس اللامبالاة، حتى يوجد جيل، أو أجيال ديدنهم العبث وخرق النظام، والإساءة للمرافق العامة.

&أذكر في يوم من الأيام قابلني شاب وهو يقود سيارته عكس الطريق فاستوقفته، وتناقشت معه بشأن خطأ ممارسته وأنه يعرض نفسه والآخرين للخطر، فما كان منه إلا أن قال الكثير من الناس يفعلون الشيء ذاته، ومع إدراكي خطأ تبرير فعله السيئ، إلا أن عدم الردع من الأساس يجرئ الآخرين على فعل الشيء ذاته سواء مروريا أو ماليا.

&واقعنا مهما كان حسنا أو سيئا لا يمكن فصله عن طريقة تفكيرنا، فطريقة التفكير تصنع الواقع، وما يشاهد من فروق بين المجتمعات في نموها ومحافظتها على مواردها مرده طريقة التفكير، وحري بنا أن نراجع كيفية إدراكنا ونظرتنا لكثير من الأمور، ونعدل طريقة تفكيرنا بما يضمن رقي مجتمعنا والمحافظة على ثرواته.