تونس &

عادت ظاهرة التمييز ضد السود لتطفو على السطح مجددا في تونس بعد ان شتم مساعد حكم مباراة في الدوري التونسي لكرة القدم لاعبا افريقيا من ساحل العاج يلعب في فريق الملعب التونسي، واصفا اياه بـ «الكحلوش» في إطار خلاف بينهما على ميدان اللعب بمناسبة مباراة جمعت الملعب التونسي بالترجي الرياضي. و»الكحلوش» عبارة عنصرية تونسية فيها احتقار لأصحاب البشرة السوداء وهي قديمة وموروثة من عهود العبودية شأنها شأن عبارات أخرى. ورغم ان أصحاب البشرة السمراء يشكلون 15 في المئة من المجتمع التونسي إلا انه قل ان وجدوا في مناصب حكومية ومؤسساتية حساسة.

«وصيفة ووصيف وكحلوش» هي بعض من الأوصاف التي يطلقها البعض على التونسيين من أصحاب البشرة السمراء في إشارة إلى لون بشرتهم. وقد ارتفعت مؤخرا شكاوى عديدة من قبل بعض التونسيين الذين يعانون هذا النوع من التمييز.

زينب ع. هي مهندسة كمبيوتر قالت انها عانت كثيرا بسبب لون بشرتها السمراء وكانت على وشك الزواج من تونسي أبيض، إلا ان والدته رفضت هذا الزواج. وأضافت في حديثها لـ «القدس العربي» ان العنصرية داء ينخر كل بلدان العالم العربي وليس تونس فحسب. أما حسن عتيق فهو أسود البشرة من جنوب تونس سبق ان تقدم لخطبة فتاة بيضاء فأجابته بالرفض بعد ان هددها والدها في حال تزوجت به.

&جذور العنصرية&

تقول غيداء ثابت الناشطة الحقوقية التونسية والمكلفة بالإعلام في «الجمعية التونسية لمساندة الأقليات» ان العنصريّة لها جذورها في تونس كسائر بلدان العالم حيث كان يتم التعامل مع السّود كعبيد فعليا ويتم الإتجار بهذه الفئة المختلفة من ناحيّة اللون. وتوضح محدثتنا ان أحمد باي انصف السود من العبوديّة بإلغائها وكان ذلك بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير 1846 فأصبحت تونس من أولى البلدان عالميا التي قامت بهذا العمل المشرّف. وتعتبر الحقوقية ان تونس لم تع منذ الإستقلال هذا المكسب العظيم والمشرّف على المستوى العالمي وكان على الأنظمة المتتاليّة إعطاء هذا الحدث قيمته وتخصيص يوم وطني لهذا التاريخ.

وتتابع حديثها قائلة :»للأسف ألغيت العبوديّة قانونيا وبقيت العنصريّة ثقافة الأغلبيّة، ولمسناها من خلال الألفاظ المهينة التي لا تزال تستعمل ليومنا هذا وبعد تونس الثّورة. كلّ هذا يحدث بسبب غياب قانون يجرّم كلّ لفظ من شأنه أن يمسّ من كرامة الآخر على قاعدة اللون أو الجنس أو الدّين، وهذا ما طالبت به جمعيّة مساندة الأقليات، حيث قدّمت في شأنه مشروع قانون لمجلس نواب الشعب إيمانا مناّ بأنّ القانون هوّ الضامن الوحيد لآحترام خصوصيات الأقليّات». وأضافت أن الأحداث المتعدّدة التي شهدتها البلاد مؤخرا (كالمقابلة الكروية التي تمت بين تونس وغينيا الاستوائيّة والتي انتهت بخسارة الفريق المحلي) أثبتت مدى تغلغل العنصريّة لدى التونسيين.

&في ضرورة التوعية&

وماذا عن دور المجتمع المدني في التصدي لظاهرة التمييز ضد الأقليات بكافة أشكالها؟ توضح غيداء ثابت «ان دور الجمعيّة التونسيّة لمساندة الأقليّات كان التّركيز على أهميّة التّوعيّة من ناحيّة أولى ويكون ذلك& بترسيخ الثقافة التعدّديّة من خلال ورش توعوية، ومن ناحيّة أخرى من خلال التّنديد بكلّ شكل من أشكال العنصريّة الذي تسجّله الجمعيّة من خلال المرصد المختصّ في هذا الشّأن والدّعوة للتتبّع إن أستوجب الأمر».

وهي تعتبر ان محاربة العنصرية تكون بالتصدّي بكلّ جديّة للتّمييز بجميع أشكاله& والتثقيف خاصّة، ودور المدرسة والبرامج المدرسيّة مهم في هذا المجال لمعالجة الأمر منذ السنوات الأولى للدّراسة وذلك عبر تعليم الأطفال قيمة الإختلاف.

واوضحت ان الجمعية تلقت الكثير من الشّكاوي، وقالت ان الورش التوعية التي قامت بها الجمعيّة التونسيّة لمساندة الأقليّات جاءت نتيجة التصرّفات العنصريّة والتجاوزات المتعدّدة التي تم تسجيلها.

&ثورة أخلاقية وحقوقية&

من جهته أوضح الناشط الحقوقي محمد درغام في حديثه لـ «القدس العربي» ان إلغاء الرق في تونس يعد حدثا هاما وتاريخيا لا نظير له بعد ان اعلم أحمد باي -عاشر البايات الحسينيين في تونس- علماء ومشايخ ومفتيي البلاد بقراره إلغاء الرقّ وعتق العبيد وذلك في 1846. واعتبر درغام ان تونس كانت سباقة في الغاء العبودية والرق وتقدمت حتى على أعتى الديمقراطيات العريقة. وبين ان خلفية هذا القرار المهم تعود إلى ان والدة أحمد باي وكانت جارية ايطالية. فاصدر أحمد باي قانونا سنة 1846 ينص على منع العبودية لنشر المساواة والعدل، كما منع بيع الرقيق وضمن الحرية لكل مولود في المملكة التونسية، وكان متأثرا في إصلاحاته بمبادئ الثورة الفرنسية. والمفارقة ان هذا البلد السباق في إلغاء الرق لا يزال يشهد حتى اليوم حالات من التمييز العنصري تجاه أصحاب البشرة السوداء. وقال درغام انه تم الغاء التمييز قانونيا لكن ظلت هذه الظاهرة راسخة في سلوكيات بعض الأفراد. وأضاف قائلا: «عرفت تونس ثورة ضد الديكتاتورية في كانون الثاني/يناير 2011 لكن ما زلنا بحاجة إلى ثورة أخلاقية وحقوقية، ثورة ضد كل أشكال التمييز العنصري تجاه الأقليات في بلادنا من السود وغيرهم. وأيضا ثورة ضد انفسنا ومزاجنا العام لذي لم يتقبل حتى الآن فكرة تولي أشخاص من البشرة السمراء مناصب عالية في الإدارة أو الدبلوماسية وغيرها». وأضاف ان هذا التمييز العنصري يتجلى أيضا في المناهج التربوية بسبب عدم إدراج صور لأطفال من البشرة السمراء في نصوص القراءة في مختلف المراحل التعليمية. واعتبر ان ذلك يحتاج إلى مراجعة فكرية وتعليمية شاملة لمواد التربية والتعليم في تونس.

&عزلة نفسية واجتماعية&

من جهته يعتبر الكاتب والمحلل السياسي التونسي منذر ثابت، ان قضية التنوع الانثروبولوجي داخل المجتمع الواحد يعد معيارا من معايير الديمقراطية ومظهرا من مظاهر التقدم الحضاري، إذا ما سلمنا ان المجتمعات تقاس، في وعيها بمقدار استيعابها لتناقضاتها واختلافاتها. ويضيف قائلا :»تبرز السوسولوجيا العربية اختلافا نوعيا بين مشرق تعددي انثروبولوجيا ومغرب متجانس أو ناكر لاختلافاته. ضمن هذا المشهد العام تبرز قضية السود كعنوان لمفارقة تاريخية صورتها ان تونس أولى البلدان التي ألغت العبودية في مستوى القانون دون ان تكون لتلك الحركة ما يصاحبها من الناحية الفكرية تجذرها في عمق الوعي الجمعي». ويرى محدثنا ان سود تونس يعيشون عزلة نفسية واجتماعية حقيقية يؤكدها غيابهم عن مراكز القرار والقيادة إضافة إلى حالة التقوقع الحاصل في سلوكهم العام.

ويشير المحلل السياسي التونسي إلى ان الملفوظ الغوي يؤكد ان السود في تونس خارج سياق الاعتبار والاعتراف. فحضورهم في الخطاب يتخاصر مع معاني الدونية والتحقير. ويبين ان أنصار التماثل الثقافي يعتبرون ان مجرد طرح هذا الموضوع مؤامرة وسعيا لفكيك المجتمع العربي القوي بتراثه الاستبدادي والمتماسك بانكار تناقضاته وتنوعه. وهذا – بحسب محدثنا – أمر متهافت وفاقد لكل معنى. فالتقدم رهين تحول ثقافي عميق يطرح حماية الأقليات وامكانية توسع مجال تأثيرها كضمان للديمقراطية في حد ذاتها.&

التماثل الاجتماعي والاستبداد&

ويرى ثابت ان المجتمع المتماثل لا يمثل إلا التربة المخصبة للاستبداد،&هو مجتمع بدين واحد وأخلاق واحدة وتاريخ واحد لا يحتاح الديمقراطيةوكل بناء سياسي على أرض كهذه لن يقود إلا إلى الاستبداد. ويقول ان التعصب رد فعل طبيعي ضد الغزو والاجتياح وهذا طبيعي في كل المجتمعات. لكن انكار المجتمع لأجزائه ومكوناته أمر مرضي. ويضيف ان المشكلة في تونس هي الإتجاه المتعاظم نحو إنكار حق الاختلاف والقبول بمشروعية التنوع والتعدد.