سمير عطا الله  

في جميع المذكرات التي تركها كبار الصحافيين في مصر، كان هناك إجماع على مدى اهتمام الرئيس جمال عبد الناصر الشخصي بالصحافة. ليس فقط بما سيكتبه محمد حسنين هيكل في «الأهرام»، تعبيرًا عن رأي الرئيس، بل حتى بالرسوم الكاريكاتيرية، كما ذكرنا.

ويروي فتحي غانم وقائع اجتماع عقده عبد الناصر مع الصحافيين حاول خلاله هؤلاء الدفاع عن وجهة نظرهم ومفهومهم للمهنة: «في نفس الوقت، وضع عبد الناصر مبادئ رقابية بمفهوم سياسي اشتراكي. وحاول سيد أبو النجا أن يتحدث عن قواعد الإدارة، فلم يُسمح له بإكمال الكلام. وحاول إحسان عبد القدوس أن يتحدث عن فن الصحافة حتى لا تتحول إلى نشرات غير مقروءة، فغضب عبد الناصر وقال بحدّة إنه لا يقبل أن تباع الصحف بالدعارة. وهاجم (صباح الخير)، وكنت رئيسًا لتحريرها لأن المرأة في رسوم حجازي، لها نسب مثيرة في أردافها. وهاجم النكات والرسوم التي يظهر فيها الزوج مخدوعًا، والزوجة تخبئ رجلاً في الدولاب. وقال بلهجة غاضبة لا تخلو من تهديد: إن مصر ليست النساء المطلقات في نادي الجزيرة.. مصر هي كفر البطيخ».

ويضيف فتحي غانم أن «هذا الاجتماع أحدث هزة عنيفة جعلت الصحف تردد كل يوم اسم كفر البطيخ، وتملأ صفحاتها بتحقيقات عن كفر البطيخ. وقد كتب الأستاذ سعد الدين وهبة مسرحية بعنوان (كفر البطيخ)، وهي بمقاييس الفن مسرحية ناجحة، لكنها أسهمت في إطلاق كثير من النكات عن مصر التي تحولت إلى كفر البطيخ...».

عاش فتحي غانم حياته يحارب بهدوء من أجل الثقافة والأدب والفن ومصر. ورغم المناصب الصحافية التي تبوأها، لم يساوم لحظة على مبادئه وضميره. ورأى الكثير من زملائه ينحرفون، أو ينجرفون في اتجاهات وطرق شتى، وبقي في مكانه، لا يعلو عنده شيء على القيَم الإنسانية التي تشرَّبها في المنزل الوالدي. وكان والده أيضًا من رجال القانون والضمير، وأحزنته إلى النهاية، وفاته المبكرة، ووفاة شقيقه وهو دون العشرين.