&وليد أبي مرشد&&&

مهما قيل عن تباين - شكلي وضمني - في نظرة الناخب اللبناني لاستحقاقي وطنه الانتخابيين، البلدي والنيابي، يصعب تجاهل دور العصبية العشائرية والعائلية في تحديد خياره السياسي... خصوصا في دوائر جبل لبنان والبقاع.

رغم ما بدأ من تنافس حزبي حاد على الزعامة المارونية في جبل لبنان عبر مجالس بلدياتها، ورغم الانخراط الكامل في العملية الانتخابية لزعيمي الحزبين المسيحيين الأكثر تمثيلا لموارنة لبنان، أي العماد ميشال عون، والدكتور سمير جعجع، وتركيز الأول على معركة بلدية عرين الموارنة، جونيه، والثاني على معقل ماروني آخر في جبل لبنان، أي دير القمر، فإن النتيحة التي حصداها لم تكن بمستوى طموحاتهما السياسية أوالرئاسية.

حزب العماد عون فشل في إيصال كامل مرشحي لائحته إلى قصر جونيه البلدي، فيما لم يتجاوز الفارق بين الأصوات التي نالتها وأصوات اللائحة المدعومة من عائلات المنطقة السياسية المائة وثلاثين صوتا. وبدوره أخفق حزب جعجع في حصد كامل مقاعد مجلس دير القمر البلدي، حيث اخترقت لائحة العائلات لائحة الحزب بستة مقاعد.

إذا كان ثمة عبرة سياسية من نتائج هذه المواجهات الانتخابية المارونية - المارونية فقد تكون - وفق المنظور المعتمد في قراءتها - إما فشل الأحزاب المارونية في مصادرة قرار الشارع الماروني بالكامل، أو رفض الشارع الماروني الوصاية الحزبية التامة عليه.

في كلتا الحالتين تعكس هذه الظاهرة بعدين سياسيين لبنانيين بامتياز:

- وصولية الأحزاب «العقائدية» وطغيانها على مواقفها المبدئية إلى حد حملها على اتخاذ مواقف متناقضة مع واقعها وممارساتها (التحالف في انتخابات بعض البلديات والتنافس في بعض البلديات الأخرى في سعيها لتسجيل فوز انتخابي بأي ثمن كان)... وبقدر ما يعبّر هذا المنحى عن تحلل الانضباط الحزبي يعكس أيضا تأثير الانتماءات العائلية على الولاءات الحزبية، وربما احتفاظ اللبناني بنزعته اللبناني الفردية إلى جانب التزاماته الحزبية.

- خلل بنيوي في تركيبة الدولة اللبنانية، يبدو أن «المؤسسة» الرسمية نفسها لم تعد قادرة على تحمل أعبائه. وقد يكون اللجوء إلى تمديد ولاية المجلس النيابي (مرتين حتى الآن) وإدامة الفراغ الرئاسي (سنتين حتى الآن)، عملية هروب إلى الأمام من مواجهة أزمة المؤسسة ومعالجتها. وغير خاف أن مع ظهور بوادر الانهيار في مؤسسة الدولة يتراجع الولاء الوطني لها ويرتد مواطنوها إلى أضيق مكوناتهم المجتمعية، فتنتعش العائلية والفئوية والتقوقعات المذهبية.

في هذا السياق، قد لا يختلف لبنان كثيرا عن محيطه العربي، فأزمته السياسية امتداد غير عنفي لأزمة الهوية التي تعاني منها دول إرث «سايكس - بيكو» بأجمعها.

إلا أن انتعاش العصبيات العائلية في انتخابات جبل لبنان البلدية قد لا يخلو من الإيجابيات إذا ما عد مؤشرا صحيا لالتزام المكونات الأهلية لمجتمع جبل لبنان المدني، على جميع مستوياته، بالشؤون الحيوية والإنمائية لمنطقته، الأمر الذي ينبئ عن نشوء مجتمع مدني يتحمل بشكل مباشر مسؤوليات إدارة مدنه وبلداته.

في ضوء ما أنجزته بعض البلديات الناجحة في لبنان على الصعيد الإنمائي، يصح التمني على المشرع اللبناني إقرار نظام لامركزية إدارية يكون أقرب إلى النظام الفيدرالي، حيث يمنح مجتمعه المدني مسؤولية إدارة شؤونه المحلية بعيدا عن بيروقراطية الدولة، ويحفظ لأبناء المناطق الفيدرالية حقهم المباشر في محاسبة مجالس بلدياتهم على أدائها.

باختصار، حبّذا لو كان لبنان كله بلدية كبرى يتنافس المرشحون لعضوية مجلسها على برامج إنمائية وخدماتية بعيدة عن السياسات الحزبية «الوطنية»، على أن يقتصر التنافس الحزبي في لبنان على انتخاب مجلس شيوخ (نص عليه دستور الطائف) تتمثل فيه طوائف لبنان بالتساوي... عساه يضع حدا لنزعة بعض الأقليات الطائفية للتحول إلى «أكثرية الأقليات» في بلد الكل فيه أقليات.

&

&

&