روعة قاسم

 مثلت إعادة انتخاب الشيخ راشد الغنوشي على رأس حركة النهضة على إثر مؤتمرها الأخير الذي احتضنته مدينة الحمامات، مادة للجدل السياسي في تونس. فقد تعددت الآراء واختلفت حول خلافة الغنوشي لنفسه في أعلى هرم الحركة الإسلامية التونسية إلى حد التناقض.

فهناك من اعتبر أن احتكار هذا المنصب لسنوات طويلة يتعارض مع الديمقراطية التي تقتضي أن يحصل التداول على المناصب القيادية حتى تنشأ أجيال جديدة من السياسيين تحمل المشعل عن بعضها البعض. ولا يمكن حسب هؤلاء بناء نظام ديمقراطي حقيقي بأحزاب غير ديمقراطية لا تكرس مبدأ التداول، وينطبق الأمر على جميع الأحزاب السياسية التونسية التي لم تعرف في أغلبها رئيسا غير مؤسسها.

فيما يرى جانب آخر من التونسيين أن راشد الغنوشي هو شخصية توافقية استطاعت أن تكرس مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي حالة من الاستقرار كانت البلاد بحاجة إليها لتجاوز أزماتها. وبالتالي، فإن مغادرة الغنوشي في هذه المرحلة للمشهد السياسي قد تزعزع حالة التوافق السائدة وتعرقل المصالحة مع أعداء الأمس «التيار الدستوري». 

«مبالغ طائلة» 

كما تعرضت حركة النهضة إلى انتقادات من بعض الأطراف لما تم اعتباره «مبالغ طائلة» تم إنفاقها على المؤتمر الذي احتضنت جلسته الإفتتاحية القاعة الأولمبية برادس وباقي اجتماعاته أحد فنادق مدينة الحمامات السياحية. فقد اعتبر هؤلاء، ومنهم موالون، أن مظاهر البذخ تلك تعطي الإنطباع أن للحركة مالا وفيرا فيما جهات البلاد الداخلية تعاني من الفقر والتهميش. في المقابل يؤكد البعض على أن النهضة لم تنفق الكثير على هذا المؤتمر وأن عنصر الإبهار تسببت فيه في الأساس ضخامة القاعة الأولمبية الرياضية برادس ومعمارها الجميل. كما أن الحركة بحسب هؤلاء بحاجة إلى تنظيم مؤتمر ضخم يتماشى مع حجمها السياسي والجماهيري تدعو إليه مختلف الفاعلين السياسيين في تونس والخارج وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي كان حضوره لافتا ومتميزا في هذا المؤتمر.

ويؤكد منتمون لحركة النهضة على أن الأعمال التي أنجزت لتهيئة قاعة رادس لاحتضان الجلسة الإفتتاحية قام بها شباب متطوع من أبناء الحركة وليس شركة أجنبية مثلما ادعى البعض. وقد تجند هذا الشباب أياما حتى يخرج القاعة في أبهى حلة لتكون جاهزة لاحتضان جلسة المؤتمر الإفتتاحية. 

الدعوي والسياسي 

ومن بين المواضيع التي أثارت الجدل أيضا في مؤتمر حركة النهضة، مسألة فصل الدعوي عن السياسي التي كانت مطلبا نخبويا تونسيا ووعدت النهضة على لسان قادتها بالإستجابة له. أي أن رجال الدين في الحركة سينفصلون وسيؤسسون تنظيما موازيا يتولى مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودعوة الناس لدين الله والإحسان إليهم بالعمل الخيري. وستصبح حركة النهضة في جناحها السياسي، وبموجب هذا الفصل، لو تم تطبيقه على أرض الواقع، حزبا سياسيا مدنيا يمينيا محافظا ومدافعا عن الهوية. كما سيتم بموجب هذا الفصل، لو طبق، تحييد المساجد عن العمل السياسي والدعاية للأحزاب مثلما كان يحصل في السابق وخصوصا خلال الحملات الانتخابية للتأثير على إرادة الناخب.

ويشكك البعض في قدرة النهضة على تحقيق ذلك والوصول إلى هذه المرحلة من التطور في الفكرين السياسي والديني وهي التي كانت ترفض باستمرار هذا التماشي. فالمساجد والقدرة على الوصول إلى المصلين من خلالها كانت باستمرار من مصادر قوة الحركة وقدرتها على الجذب والإستقطاب وبالتالي يصعب أن يتخلى قوي عن أهم مصادر قوته. 

حضور دستوري 

ولعل اللافت في هذا المؤتمر أيضا هو الحضور لقيادات دستورية من الصف الأول ولوزراء من فترتي بورقيبة وبن علي بمن في ذلك «الصقور». وهو أمر يبعث على الدهشة بالنظر إلى العداء التاريخي بين أبناء التيارين الدستوري والإسلامي في تونس، حتى أن البعض علق مازحا بالقول أن «الصورة ينقصها بن علي لتكتمل، ولو أن وزراءه قد قاموا بالواجب».

إن المتأمل في وجوه الحاضرين في مؤتمر حركة النهضة يدرك أن هناك مصالحة حقيقية حصلت في تونس، وأن أبناء التيارين اللدودين باتجاه السير قدما نحو «تطبيع العلاقات» للوصول إلى تحالف استراتيجي. فكثير من رموز الدساترة ومنهم محمد الغرياني الأمين العام لحزب التجمع الدستوري، الذي تم حله بعد الإطاحة ببن علي، يلتقون الشيخ راشد الغنوشي ويحضون بالترحيب في مقر حركة النهضة في منطقة مونبليزير.

ويرى البعض أن هذا التقارب بين الدساترة والإسلاميين هو تتمة للقاء باريس بين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، والذي تم في فترة كانت فيها البلاد مهددة بحرب أهلية. لقد جنب الرجلان تونس الإنزلاق إلى العنف وفتحا الباب على مصراعيه لأنصارهما لمزيد التقارب وإذابة جبال الجليد التي وقفت على الدوام عائقا أمام الالتقاء بين تيارين يمينيين يدافعان عن الهوية ويتبنيان النهج الليبرالي الاجتماعي في برامجهما الاقتصادية والاجتماعية.