&أيمن الحماد

في العاصمة البريطانية لا صوت يعلو فوق صوت استفتاء 23 يونيو المقبل، والذي على إثره إما أن تبقى أو ترحل المملكة المتحدة من فضاء الاتحاد الأوروبي.. ولهذا الاستفتاء أهمية ونقاش بلغ مداه ما وراء الأطلسي، فالرئيس الأميركي في زيارته الأخيرة إلى أوروبا والشرق الأوسط توقف في لندن ليطلب من البريطانيين التصويت من أجل البقاء في العصبة الأوروبية، وفي برلين وباريس اتصالات مستمرة بين الإليزيه والمستشارية الاتحادية.

وتخشى الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا من أن يؤول انسلاخ بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى انفراط عقده، وهو الذي يمر في الأساس بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تداعت عليه بفعل السياسات المالية لبعض الدول الأعضاء أو من زحف الاضطرابات في الشرق الأوسط على دول شمال المتوسط وبلوغها الشمال الأوروبي، وما لحقها من التزامات مالية وأمنية، ليأتي اليوم الاستفتاء البريطاني ليضع أوروبا أمام مرحلة من التحولات قد تضعف من حضورها على المشهد العالمي وهي التي انكفأت في الأساس بعد الحرب العالمية الثانية لصالح التفوق الأميركي.

ولا شك أن الدول الشريكة للاتحاد الأوروبي -ومنها دول مجلس التعاون الخليجي التي تستقبل بشكل دوري وفوداً ومسؤولين من بروكسل حيث مقر الاتحاد ومؤسساته بهدف تعميق وعقد الشراكات والتعاون بين الكتلتين المهمتين في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية- لا شك أنها تترقب نتائج هذا الاستفتاء، إذ يُنتظر تقييم وضع الاتحاد الأوروبي من جديد في ضوء الانسحاب البريطاني، الذي سيضعف ويقلل من وجاهة الاتحاد بعد أن فقد ركنه العتيد، فالقرار السياسي الذي سيصدر من بروكسل لن يكون صداه مؤثراً بعد خروج لندن، وقِس على ذلك العلاقات الاقتصادية التي ستضعف من نمو الاتحاد الأوروبي وتسهم في خفض أرقام الصادرات والواردات إلى دول مجلس التعاون.. وسيصل ويبلغ مدى ذلك الضعف حلف شمال الأطلسي الذي يعتبر شريكاً رئيسياً للاتحاد الأوروبي.

الأهم أن على دول «التعاون» أن تدرس قدرة المنظومة على الصمود في المدى الاستراتيجي في ظل الأزمات التي يمر بها، وهذا لا شك يتطلب مراقبة ألمانيا وفرنسا على وجه التحديد اللتين تقاتلان بشراسة لأن تبقى المنظمة متماسكة وألا تجرفها الأزمات؛ سواءً تلك المتعلقة بالاستفتاء أو قوة «اليورو» أو حتى صعود اليمين المتطرف في أوروبا، والذي لا شك أنه الامتحان المقبل لتماسك الاتحاد الأوروبي.