&أديتيا تشاكرابورتي& &

أنكر اقتصاديون وصناع قرار وجود شيء باسم "الليبرالية الجديدة"، متهمين من اخترعوا هذا الاسم بأنهم لا يفقهون شيئاً لا في الاقتصاد ولا الرأسمالية. ثم يفاجئ صندوق النقد الدولي العالم بدراسة تقول إن أجندة "الليبرالية الجديدة" قد انتشرت على مستوى العالم في العقود الثلاثة الأخيرة. المقصود بذلك هو أن كثيراً من الدول أعادت صياغة مؤسساتها وحولتها إلى نسخ شاحبة من السوق. فقد تحولت المؤسسات الصحية والجامعات إلى أسواق، وحل القطاع الخاص محل القطاع العام، والمنافسة محل الديموقراطية.

وكانت نتيجة ذلك مريعة، حيث لم يستفد من ذلك سوى حفنة قليلة من الناس، ولم تقدم الليبرالية الجديدة النمو الاقتصادي الذي وعدت به، بل إن تكاليف إصلاح ما أفسدته تتخطى المليارات وتركت الملايين من البشر في حالة يرثى لها. فما وصفه العضو البرلماني البريطاني من حزب المحافظين، جورج أوسبورن، بـ"إصلاح السقف بينما لا تزال الشمس مشرقة" رآه صندوق النقد الدولي "تقليصاً لحجم الدولة بتكاليف تزيد على المنافع".

ويمكن هنا ملاحظة أمرين: أولهما هو أن الدراسة صادرة عن جهة رسمية، شعبة البحوث في صندوق النقد الدولي، وليس عن محللين يتنقلون بين الدول المفلسة ويبتزون الحكومات بقروض مجحفة. ومنذ عام 2008، ظهر تباين بين أقوال صندوق النقد الدولي وأفعاله. وثانيهما، أن الباحثين يتجاهلون بنوداً lهمة. وقد دافع مؤلفو الدراسة عن الخصخصة لأنها تؤدي إلى توفير أفضل للخدمات وإنفاق حكومي أقل.

وهذا خروج ملحوظ عن التوافق حول الليبرالية الجديدة. وقد غدت مواضيع مثل غياب العدالة وعدم الجدوى لقمة سائغة في فم الاقتصاديين والسياسيين، الذين يتعاملون مع الأمر على أنه خروج عن المألوف. وأخيراً سعت مؤسسة دولية خلف السبب وليس الأعراض فقط، مؤكدة أن السبب سياسي بحت.

ويشار إلى أن نخبة من صانعي القرار نفت أن تكون تحركات الليبرالية الجديدة مبنية على أيديولوجيتها، وإنما هي تطبق ما ينجح. ولكن هذا الزعم لا أساس له، لأن ما يطبقونه قد ثبت فشله في الواقع. فمنذ أزمة عام 2008، ما انفكت المؤسسات المالية والسياسيون ووسائل الإعلام في إقناع الرأي العام بأن تلك الإجراءات ستؤتي أكلها وتعيد الاقتصاد إلى الطريق الصحيح. ورغم أنهم لم يتركوا شيئاً لم يفعلوه، مثل خفض النفقات والأجور، ووضع خطط لإنقاذ البنوك المتعثرة وضخ المليارات من الدولارات، فلا يزال الاقتصاد هشاً.

ومع استمرار الأزمة، يزداد الرأي العام اقتناعاً أن نمو الليبرالية الجديدة كان ضعيفاً وأن البسطاء قد انخفضت المنافع التي يتحصلون عليها. وقد أقرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن حصة العمال من النمو الاقتصادي البريطاني هي في أقل معدلاتها منذ الحرب العالمية الثانية، والأفدح من ذلك، هو أنها ذكرت أن نفس الأمر ينطبق على العمالة في الغرب.

يتحدث اقتصاديو الليبرالية الجديدة بلغة مختلفة عن الروائيين، ولكن ما تشي به لغة الرسوم البيانية والفنية هو بداية عهد موت أيديولوجية صمدت طويلاً.