&وحيد عبد المجيد

ينبغي الانتباه جيداً إلى تحذير الكولونيل كريستوفر كارفر، المتحدث باسم التحالف الدولي ضد «داعش»، من ظهور ما سماه نسخة جديدة لهذا التنظيم إذا لم تُحسن الحكومة العراقية إدارة معركة طرد الإرهابيين من الفلوجة وما بعدها.

لم يفاجئ كلام المسؤول العسكري الأميركي المخضرم، الذي نقلته «صنداي تايمز» الأسبوع الماضي، من تابعوا معركة الفلوجة منذ بداية الإعداد لها. كما لم يقل أكثر مما يمكن استنتاجه من تجارب سابقة كانت إحداها في الفلوجة نفسها عام 2004.

وتفيد هذه التجارب أن الحرب على الإرهاب، مثلها مثل أي معركة في أي مجال، تنجح بمقدار ما يكون استخدام القوة فيها خاضعاً لتوجيه عقل رشيد. لذلك يستمد الإرهاب قدرته على الاستمرار، رغم الحروب المتواصلة التي شُنت ضده، من اعتقاد شائع لدى معظم من يواجهونه بأن القوة العسكرية والأمنية هي الدواء الذي يُشفي منه.

لذلك كان حرياً بالكولونيل كارفر أن ينقل تنبيهه هذا إلى الإدارة الأميركية؛ لأن الحكومة العراقية لا تستطيع السيطرة على مليشيا «الحشد الشعبي» الشيعية المتطرفة، المتهمة بارتكاب جرائم في حق مدنيين سُنة في بلدات عدة.

ورغم أن هذه الإدارة لا تملك بدورها السيطرة على حركة مقاتلي «الحشد الشعبي»، فقد كان بإمكانها أن تتخذ موقفاً صارماً يربط دعمها الذي لا غنى عنه في معركة الفلوجة باستبعاد هذه الميليشيا، وليس فقط عدم مشاركتها في اقتحام المدينة وحصر دورها في عمليات الإسناد.

غير أن إدارة أوباما لم تستوعب فيما يبدو دروس التجربة منذ غزو العراق عام 2003، وأثره في توسع نطاق الإرهاب الذي اعتقدت إدارة بوش أن تجييش القوات يكفي لمواجهته.

لقد قررت إدارة أوباما تقديم كل الدعم لعملية تحرير الفلوجة من قبضة «داعش» من دون توفير المقومات اللازمة لأن يكون هذا التحرير ضربة موجعة للإرهاب، وليس مجرد معركة تنتهي بخسارته منطقة وفوزه في الوقت نفسه بأعداد إضافية من الراغبين في الالتحاق به جراء معاناتهم من الاضطهاد المذهبي.

كان بإمكان الإدارة أن تضع خطة لا تترك منافذ مفتوحة لميليشيا «الحشد الشعبي»، بل قبلت أن يكون لها دور يصعب وقفه عند عمليات الإسناد. ويثير ذلك سؤالاً جديداً عن حقيقة أهداف هذه الإدارة، خاصة بعد أن شاهد مسؤولون سياسيون وقادة عسكريون أميركيون بأم أعينهم الأثر الفادح لإطلاق التطرف الشيعي من قمقمه عقب إسقاط نظام صدام حسين، وكيف كان ذلك عاملاً رئيساً في توسع نطاق الإرهاب. فقد خلق التطرف الشيعي ضد السُنة بيئة مجتمعية حاضنة جزئياً لتطرف مضاد استغله أتباع «القاعدة» في حينه لتأسيس تنظيم إرهابي.

وكانت تلك بداية جديدة للإرهاب، الذي استثمر بعد سنوات من حرب العراق الأوضاع التي تدهورت في سوريا، وتحول إلى قوة لا سابق لها في تاريخ العنف في المنطقة.

وهكذا تتيح الخبرة المتراكمة منذ 2003 فرصة لترشيد التفكير في استراتيجية مواجهة الإرهاب وتكتيكاته، خاصة من زاوية الأثر الكبير للتطرف المذهبي في تغذية هذا الإرهاب وتدعيم قدرته على التجنيد.

ومع ذلك، لا يُلمس أثر ظاهر لهذه الخبرة في إدارة معركة الفلوجة، ربما لأن إدارة أوباما تسعى لتحقيق «نصر» بأي ثمن في الحرب على الإرهاب خلال الشهور القليلة الباقية لها، حتى ولو أدت التداعيات إلى ظهور جيل جديد من الإرهاب قد يكون أكثر وحشية. وربما يعود إغفالها هذا الخطر إلى استهانة به من جانب مؤسسات صنع القرار ومراكز التفكير فيها.

لذلك تندفع الإدارة باتجاه المشاركة في صناعة إرهاب جديد في العراق، وربما خلْق جيل جديد قد يحمل رايته بعد «داعش» التي انتزعت هذه الراية حين ضعفت «القاعدة».

والحال أن أي حرب على الإرهاب لا تستقيم إلا عبر تقديم نموذج مناقض لممارساته. فإذا كان الإرهاب انتهاكاً لحق البشر في الحياة وحريتهم في اختيار نمط حياتهم، فليس ممكناً مواجهته عبر ممارسات تنطوي على انتهاك مماثل في جوهره وإن بأشكال أخرى.