&أيمن الحماد

استهداف تركيا بالعمليات الإرهابية مختلف تماماً عن استهداف أي مدينة أوروبية أخرى، فنحن نتكلم عن ثاني أكبر قوة عسكرية في الحلف الأطلسي (الناتو)، وبلد يحتل موقعاً "جيواستراتيجيا" بالنسبة للشرق الأوسط، وهو يقع عملياً على خط النار المشتعلة في المنطقة، ولا يمكن ألاّ يستفز هذا الحادث المنظومة الأمنية والعسكرية الأوروبية المنهمكة في مسألة الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي وتبعاته بما فيها العسكرية.

التفجير الذي ضرب مطار أتاتورك في اسطنبول ويحمل بصمات "داعش" لا يختلف كثيراً عن ذاك الذي ضرب مطار بروكسل واستفز المنظومة الأمنية الأوروبية، ولا يختلف عن عملية باريس.

الإشكال لدى أنقرة أنها تحاذي أخطر دولتين في العالم العراق وسورية، ومنهما تخرج الجماعات التكفيرية والمتطرفة الإرهابية، ولذا فإن حجم الخطر أكبر عليها من أي دولة أوروبية أخرى.

لم تدخل تركيا عملياً على خط مواجهة "داعش" داخل الأراضي السورية، لكن ضغط العمليات الإرهابية في الداخل التركي قد يدفع أنقرة للانخراط في جهد عسكري كبير في سورية قد يتأتى لها اليوم بعد المصالحة مع روسيا.

اليوم يقوم بمهمة تنظيف الشمال السوري من "داعش" الأميركيون الذين يدعمون عمليات "قوات سورية الديمقراطية" الكردية، ويبدو أن هذه الخطوة تحظى بالموافقة التركية رغم الاحتجاجات الرسمية على التوسع الكردي في الجنوب التركي، ولاشك أن الضغط على التنظيم الإرهابي قاده إلى عمليات انتقامية في الداخل التركي، لكن استمراريتها من عدمه مرتبط بأمرين الإجهاز على "داعش" في الشمال السوري، وتعزيز الأمن الداخلي من خلال تشديد الرقابة والتحري عن خلايا عنقودية قد تكون تشكلت بفعل عوامل عدة إما بسبب اندساس الإرهابيين مع حركة نزوح اللاجئين، أو تبني عناصر تركية أفكار "داعش" وبالتالي توظيفهم من قبل التنظيم.

المشروع التركي لم ينجز والقيادة التركية لن ترهن رصيد إنجازاتها الاقتصادية لعبث الإرهابيين، فهناك منجز اقتصادي وسياسي تحققا في العقد الأخير في تركيا وجعلها أكثر حضوراً وازدهاراً في المنطقة وأكسبها ذلك في المقابل قوة في محيطها الأوروبي.

تركيا دولة جاذبة بالنسبة للغرب، إنها مزيج من السحر الشرقي والحداثة الغربية، لذا كان هناك تشجيع وحفز غربيان لاستدامة هذا النموذج رغم اتخاذه مساراً اختلافياً ومخالفاً لبعض الثوابت الغربية في ملفي حقوق الإنسان وحرية التعبير، خلاف ذلك يلجأ الأوروبيون والأميركيون على حد سواء إلى أنقرة التي تمتلك تأثيراً واسعاً في المجالين الإسلامي والغربي للتعاون في حلحلة الكثير من الصعوبات والمشكلات التي تعاني منها المنطقة.

ارتفاع عدد العمليات الإرهابية يهدد مشروع تركيا وحزب العدالة والتنمية، وقد يؤثر في القواعد الانتخابية التي اكتسبها بفضل الإنجازات التي حققها، وقد يدخِل تركيا في أتون تجاذبات واستقطابات سياسية. لقد كانت الانتخابات الأخيرة جرس إنذار ليعيد الرئيس إردوغان حساباته السياسية والداخلية والخارجية على حد سواء.

وقد يكون استئناف الهدنة مع الأكراد خياراً حكيماً بدأت تنتهجه الحكومة التركية التي تردد بأنها تخطط لنقل الزعيم الكردي عبدالله أوجلان من الحبس الانفرادي إلى الإقامة الجبرية؛ لإفساح المجال للحوار مع "العمال الكردستاني".