سطام المقرن


التنظيم الإرهابي" داعش " والتنظيمات الإرهابية الأخرى، لها قدرة على توظيف النصوص الدينية واستغباء الشباب والمراهقين الذين ليس لهم بسبب الضعف التعليمي إمكانية الإطلاع مباشرةً على النصوص ونقدها
انتقد بعض الكتاب والمشايخ ورجال الدين بعض الحلول المطروحة لمكافحة وتجفيف منابع الإرهاب والمتمثلة في تجديد الخطاب الديني ونقد الموروث الفقهي وانعكاس ذلك على تغيير وتطوير المناهج التعليمية، معللين هذا الأمر بأن مثل هذه المطالبات هي في الحقيقة تمثل الأسباب الرئيسية التي تقف وراء الإرهاب!.


وفي هذا الصدد يقول أحدهم في مواقع التواصل الاجتماعي عن التفجيرات الإرهابية التي حدثت مؤخراً في المملكة بأنها "تظهر فساد المشروع الليبرالي، حيث إن أكثر من قام بها أعمارهم 17 – 19 سنة، فلم يتربوا مع محاضرات ودروس العلماء والمشايخ.. فهم تربوا مع القنوات الفاسدة والمسلسلات العاهرة التي تدعو إلى التحلل الديني والخلقي".!


والقول السابق ما هو إلا إشارة ضمنية إلى أن التيار الليبرالي ومطالباته بتطوير المناهج التعليمية وتجديد الخطاب الديني، وتطبيق القوانين الوضعية، يثير غيرة الشباب المتدين، الأمر الذي يستخدمه الغلاة والمتطرفون في تغرير الشباب وتجنيدهم لتنفيذ العمليات الإرهابية، وهذا التبرير ليس بجديد، إذ تشير بعض الدراسات التي تناولت حركة "جهيمان" في الماضي إلى أن من الأسباب التي أدّت إلى ظهور هذه الجماعة الإرهابية تتمثل في ظهور التيارات الحداثية والعلمانية والقومية والاشتراكية آنذاك في العالم العربي، وكان "جهيمان" يجند أتباعه من خلال التحذير من هذه الدعوات ومن تأثر الناس بها، ولهذا يرى البعض أن على وزارة التعليم أن تتبنى المنهج المتشدد للدين حتى لا تعطي أي مبرر لمثل هذه الجماعات!.
والبعض الآخر من رجال الدين حاولوا الدفاع عن الخطاب الديني السائد والموروث الفقهي بالقول بأن الكثير من العلماء والمشايخ قد تعلمّوا على المناهج القديمة وتخرجوا من نفس المعاهد العلمية والمدارس والجامعات، ومع ذلك لم يتأثروا بالفكر الظلامي المنحرف، وهذا أكبر دليل على أن المناهج والخطاب الديني ليس لهما أي تأثير على تجنيد الشباب وتنفيذ العمليات الإرهابية، والبعض يستدل على ذلك من خلال النسب الإحصائية والمقارنة مع بعض الدول الأخرى والتي يكثر فيها أعداد الأفراد من داعش، وبالتالي فإن من "يطالب بتغيير المناهج ويشيطن المجتمع والمنابر ليس سوى (مرتزق) استغل الحدث ليمرر أفكاره ويسوق أجنداته الشيطانية"!.


وعند القول بأن التنظيم الإرهابي "داعش" يستغل الدين في تجنيد الشباب، من خلال تطبيق مفاهيم مثل (الخلافة، منهاج النبوة، الجهاد، قتل المرتدين، الولاء والبراء، الكفار والمشركين والمنافقين ..إلخ) وبالتالي فإنه يستند في الأساس على قواعد ومفاهيم إسلامية متداولة في الخطاب الديني ومنابر المساجد.. فيرد رجال الدين على هذا الرأي بالقول إن هذه المفاهيم ثابتة في الشريعة الإسلامية، ولكن قادة هذا التنظيم المجرم والمحرضين يتلاعبون بهذه الأحكام بأفكارهم المنحرفة !.
وعند السؤال بكيفية هذا التلاعب، يبدأ رجال الدين بالشرح والاسترسال والقول بأن هؤلاء مجرّد خوارج وقتلة، وتعدوا على الشرع، وتفسير للمصطلحات الشرعية بغير مراد الله منها، ولا شك أن هذا من القول على الله بلا علم، فالجهاد في سبيل الله مثلاً له شروط وضوابط شرعية منها ( صلاح النية، مراعاة المصالح والمفاسد، القدرة على قتال العدو، وأن يكون مع إمام، استئذان ولي الأمر، واستئذان الوالدين، سؤال أهل العلم فيما يشكل..الخ)، و "موضوع الجهاد من المواضيع التي وَلَجَها بعض الناس، فعصوا الله باسم طاعة الله فيها، وذلك أنهم أقدموا على أعمال يظنون أنها من شرع الله في الجهاد، وهي ليست كذلك، فأثمر ذلك سوءًا وضررًا وشرًّا عظيمًا".


وللأسف الشديد، فإن المتطرفين والمحرضين يستخدمون نفس المنطق القياسي لشروط وضوابط الجهاد وعن طريق التقليد أيضاً، من خلال القياس المنطقي على الضوابط الشرعية للجهاد، فصلاح النية موجودة (إعلاء لا إله إلا الله)، وإمام المجاهدين موجود، وولي الأمر هو خليفة المسلمين الذي بايعوه المجاهدون، وهناك قدرة على قتال العدو من مال وسلاح وأفراد واستئذان الأبوين (فرض كفاية)، وهكذا على نفس هذا المنوال.
يقول بعض رجال الدين عن الجماعات المتطرفة ما نصه" فهم يبنون أحكامهم ورؤاهم ومنهجهم على مجموعة انتقاءات من كتب بعض العلماء المتقدمين والمتأخرين لا يأخذونها في سياقاتها لا العلمية ولا التاريخية، فينتقون ما يوافق هدفهم (السياسي أو الفكري) "وهنا اتفق مع رجال الدين على هذا الأسلوب الذي يسلكه تنظيم " داعش "، ولكن كيف نستطيع التوفيق بين هذا الكلام، وما يحدث على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال : المكتبات الإسلامية تعج بالكتب والرسائل التي تكفر المذاهب والطوائف الأخرى، أو تلك الكتب والخطب التي تتضمن أحكاماً وفتاوى ترفض التعددية، أو تتضمن أحكاماً تتحدث عن الدول العلمانية وتكفير أنظمتها ووجوب قتالها؟!.


ويرد رجال الدين على التساؤل السابق بالقول: "هناك ضوابط وشروط وموانع، وإذا كان المسلم يتورّع أن يُفتي أو يحكم في مسائل الطهارة والعبادات فكيف يتجرأ على مسائل الدماء والردّة! وليس مطلوبا منه أصلا أن يتحقق ويبحث في حال فلان من الناس هل هو على الإسلام أو الكفر؛ لأن هذا مهمة القضاء والمحاكم لما يترتب عليها من أحكام وتبعات دينية ودنيوية" .. الإشكالية هنا: أن التنظيم الإرهابي داعش لديه قضاء ومحاكم، ويصدر فتاوى وأحكام التكفير والردة عن طريقها !!.
لا شك أن التنظيم الإرهابي" داعش "ومن قبله التنظيمات الإرهابية الأخرى، له قدرة على توظيف النصوص الدينية واستغباء الشباب والمراهقين الذين ليس لهم بسبب الضعف التعليمي إمكانية الإطلاع مباشرةً على النصوص ونقدها، فيقعون ضحية سهلة أو صيداً سهلاً لهذا التنظيم المجرم القادر على استحضار النص وتوظيفه في الوقت المناسب، خاصةً إذا غمرها أو قصفها بالموروث الديني التاريخي.. فأين المفر؟.
&