فايز الشهري

تعد ميليشيات "داعش" التنظيم المسلّح الوحيد في العصر الحديث الذي لا ينطوي على منظومة فكريّة أخلاقيّة يمكن أن ينمو معها ويتمدّد التنظيم برغم كلّ الشعارات التي يرفعها أتباعه ومناصروه، بل لقد فاق "الدواعش"في عملياتهم ومنهجهم فرقة الحشاشين التي ظهرت أواخر القرن الحادي عشر الميلادي واحترفت القتل منهجاً وغاية. ومما لا شك فيه أن هناك عوامل كثيرة وراء ظاهرة "داعش" وهي تحتاج منّا إلى مراجعة فكريّة ونفسيّة وسياسة شاملة. ولو لم يكن هناك أراضي صراع خصبة وتقاطع مصالح دوليّة لما نما وتبرعم التنظيم بهذا الشكل.

والسؤال هنا في جزئية محّددة وهو كيف استطاع منهج "الدواعش" جذب مئات الشباب بالتجنيد الذاتي "Self - Recruitment" ليعملوا له بروح إجراميّة انتقاميّة لا تستثني أحدا. هنا محاولة لرصد أبرز خمسة عوامل سهّلت حصول هذه الظاهرة وفق ما أمكن ملاحظته من تتبّع الحالات الأشهر التي انضمّت إلى التنظيم ومن تحليل بعض الأدبيّات المرتبطة به وخاصة الأفلام والأناشيد وتغريدات مناصريه وعناصره على شبكة "تويتر":

العامل الأول: عدم إغراق "سدنة" التنظيم في التفاصيل الفقهيّة لتبرير أفعالهم ومشروعاتهم، والاكتفاء برصّ العناوين الصارخة المحرّضة في إصداراتهم بما يشبه عناوين روايات المغامرات وأفلام المغامرات (الأكشن) ومنها: "صليل الصوارم" "لهيب الحرب" the Flames of War، إعداد الأباة، أسود الخلافة وغيرها.

العامل الثاني: الاهتمام الكبير بالإخراج الفني والصور المؤثرة لعمليات القتل والتدمير واصطحاب الأناشيد الحماسيّة مع صور محاربين أشداء لا يرحمون خصومهم وهم يقتلون ويفجرون بما يماثل سناريوهات ألعاب القتال الإلكترونيّة الرائجة والقريبة من مفاهيم وممارسات جيل الشباب الإلكتروني.

العامل الثالث: توظيف الرموز الإسلاميّة الموحية بالعزّة والبطولة واستعارة الشعارات والكنى التي اشتهر بها القادة المسلمون عبر التاريخ. وفي هذا الاستلهام استدعاء ماكر يُخرج الشباب الحائر من دائرة الواقع إلى سحر "النموذج المثالي" الساكن في لا وعي جيل الشباب الباحث عن المثاليّة والطهوريّة. ولعل هذا يفسّر اختيار راية التنظيم بصورة ختم الرسول عليه الصلاة والسلام، وتسمية الولايات والدواوين، وضرب الدينار الإسلامي، وفرض ارتداء الزي العربي التاريخي لإعطاء الإيحاءات المؤثرة.

العامل الرابع: اعتماد إحداث الصدمة تلو الصدمة عند الشباب بتكرار الأسئلة المركزة والقصيرة عن سبل تغيير واقع المسلمين (المرّ). ويكشف ذلك ترديد التنظيم وأنصاره لأسئلة جوابها تعزيز قناعات ارتداد المسلمين وخنوعهم للمستعمرين الغربيين الكفرة. وتأتي الثمار باندفاع الشباب نحو المجهول مع تكثيف الترويج لفكر عدمي يائس من إصلاح الأحوال إلا بإعادة تهيئة "Format" الواقع وبنائه بالصورة التي يسلكها التنظيم وفق منهج الغايات تبرر الوسائل.

العامل الخامس: جاذبيّة فكر التنظيم لفئة من الشباب ممن لم تنضج شخصياتهم بشكل سوي بإغراء الخلاص من حياة طويلة قد تمتلئ "بالذنوب". وهذه الفئة عادة ما تندفع تحت مؤثرات كثيرة! لركوب "هاي وي" التوبة السريعة للخلاص من الذنوب أو الفكاك من عناء التفكير في مستقبل طويل. وهؤلاء هم "الذئاب المنفردة" الذين ينتحرون بارتداء حزام الغدر الناسف واستهداف الآمنين في مساجدهم أو تقديم "القرابين" للتنظيم حتى لو كان ذلك بطعن قلب أم حانية أو ذبح أخ أو قريب شارك القاتل براءة الطفولة وأحلام الشباب.

قال ومضى:

الصامت في واجب الكلام شيطان أخرس.