علي سعد الموسى


نال حسن الشريف شهادة الإجازة الجامعية في هندسة الحاسب الآلي متفوقاً وبمعدل غير مسبوق وضعه الأول بلا زحام على دفعته الجامعية. تقدم حسن إلى وظيفة الإعادة في ثلاث مؤسسات وطنية للتعليم العالي، وكلها قبلته على الفور تمهيداً لابتعاثه لإكمال الدراسة. ولأن حسن من القلائل جداً الذين يرسمون لمستقبلهم الأكاديمي مساراً جديداً مختلفاً فقد قرر دراسة (الفلسفة)، وبالطبع فالأخيرة مصطلح غريب ومستفز. الفلسفة من الدراسات التي نرفضها دون أن نعطي أنفسنا حتى أدنى الوقت والفرصة لتفكيكها ومعرفة ماهيتها. دون أن ندرك أنها ركيزة وجوهر تحليل قواعد كل الدراسات الإنسانية أو حتى الحسابية والرياضية والمنطق.


ضاق البلد بأكمله من أن يستوعب السعودي الوحيد الذي قرر أن يدرس الفلسفة دون حتى أن نتفهم أنه يمكن توظيفه في المستقبل كباحث في وحدة للدراسات الاستشرافية أو مراكز أبحاث الحوار المختلفة. قرر حسن الدراسة على حسابه الخاص وأكمل درجة الماجستير في الفلسفة من جامعة أميركية مرموقة، وتم ضمه لعام واحد فقط على بعثات خادم الحرمين الشريفين، ثم تم فك الارتباط مع البعثة حين بدأ حسن درجة الدكتوراه تحت ذريعة عدم الحاجة رغم أنه، ومرة أخرى، السعودي الوحيد الذي يدرس هذا التخصص من بين ما يقرب من ربع مليون سعودي مبتعث إلى جامعات الأرض. قبل حسن، وأيضاً بعده، لدينا آلاف المبتعثين وبالمئات في كل تخصص. لدينا من الأرقام حد التخمة والإشباع لكننا نرفض الشجاع الوحيد الذي اختار دراسة أصعب وأعقد وأندر التخصصات، وكل هذا بسبب الجهل العميق المطبق بكمية المحاذير الكاذبة لدراسة الفلسفة. حسن يعمل اليوم مدرساً بقسم الفلسفة بعرض مغر من جامعته الأميركية.


قصة حسن السابقة لا تشبه سوى قصة أحمد الذي قابلته قبل عامين في واشنطن. تخرج أحمد بامتياز في الإنجليزية وآدابها من جامعة الملك سعود. ذهب للولايات المتحدة للدراسة العليا في (الدراسات الأميركية). ثم رُفض انضمامه للبعثة وأيضاً لعدم الحاجة. تقدم بقبول من جامعة جورج تاون في دراسات الشرق الأوسط فواجه ذات الاعتذار البليد. والخلاصة: تخيلوا أن لدينا ما يقرب من ربع مليون مبتعث، وببلادة الأنظمة، ليس بينهم فرد واحد في الدراسات الفارسية أو الإسرائيلية أو حتى العربية أو الغربية. لا نعترف بالعلم ولا بالمتعلم إلا إذا كان سيعود إلينا وقد حجزنا له مكاناً وقاعة وسبورة وطبشورة. أهدرنا مع الابتعاث فرصاً تاريخية لتأسيس قواعد معرفية وطنية جبارة في هذه التخصصات النادرة، نحن في حاجة ماسة إليها أكثر بكثير من حاجتنا إلى خبراء في الهندسة الكيميائية أو النووية.

&

&

&

&