&مصر:&الصورة الباسمة بين الرئيس والبابا تواضروس لن تدمل جراح الأقباط… وورطة وزارة الأوقاف مع الخطبة المكتوبة


حسنين كروم
&

& لأول مرة تبدي الأغلبية اهتماما واضحا بقضية وصول بعثة صندوق النقد الدولي والقرض الذي سيعطيه إلى مصر وشروطه، وهل سيؤدي إلى رفع الدعم وزيادة الأسعار؟ وهو ما عكسته صحف يومي السبت والأحد 30 و31 يوليو/تموز.


واجتماع الرئيس السيسي مع كل من رئيس الوزراء ووزير المالية ونائبي الوزير وما صاحب ذلك من انخفاض في سعر الدولار.
وواصلت الأغلبية الاهتمام بأعمال مكاتب تنسيق القبول في الجامعات ومباريات كرة القدم. أما مرضى الكبد فهم يتابعون كل ما ينشر عن حالات الشفاء العالية منه وقرب القضاء على طوابير الانتظار. والعاملون في السياحة يترقبون نتائج زيارة وزير السياحة إلى روسيا وكذلك وفد مجلس العموم البريطاني الذي اجتمع مع السيسي ومع وزير السياحة وقام بزيارة شرم الشيخ، وأشاد باجراءات الأمن في المطار، لعل وعسى أن يؤدي ذلك إلى عودة السياحة البريطانية. ومن الأخبار الأخرى المهمة بالنسبة للأغلبية حدوث انخفاض حقيقي في أسعار الدواجن.
أما أشقاؤنا الأقباط فاهتمامهم الأكبر موجه إلى ما ستنتهي إليه الجهود المبذولة لمواجهة المتسببين في أعمال الفتنة الطائفية، بينما المسلمون لا يحسون بوجود المشكلة، رغم أن أعدادا كبيرة من الكتاب والصحافيين المسلمين يهاجمون الدولة والنظام والمسؤولين ويتهمونهم بالتساهل مع مرتكبي الفتنة. وظاهرة عدم اهتمام الأغلبية المسلمة بهذه الأحداث يرجع في رأيي إلى أنهم لا يحسون بوجود فتنة يشارك فيها مسلمون كثيرون، بحيث تستدعي قلقهم وأن علاقتهم بالأقباط لن يؤثر فيها أحد، ولن يسمحوا له بذلك، والدليل أن حجم التبرعات في شهر رمضان التي أخرجها المسلمون للمؤسسات الخيرية بلغ مليارا ومئتين وخمسين مليون جنيه، خص مؤسسة الدكتور مجدي يعقوب منها خمسمئة وسبعة عشر مليون جنيه.
أيضا لم تلق المعركة المشتعلة بين وزارة الأوقاف والأزهر حول الخطبة الموحدة اهتماما جماهيريا، رغم تعلقها بالدين. ومن الأخبار المؤلمة خبر وفاة صديقنا العزيز وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور حسين كامل بهاء الدين. وإلى بعض مما عندنا.

مسلمون وأقباط

ونبدأ بما يكسر روحنا الوطنية وتوالي أحداث الفتنة الطائفية في عدد من المحافظات، ما أثار الكثير جدا من المسلمين الذي أبدوا غضبهم من عدم تصدي الدولة بحزم وتطبيق القانون قبل أن يثير غضب أشقائنا الأقباط وكثر الحديث عن السلفيين ودروهم، لدرجة أن زميلتنا الجميلة في «الأهرام» ماجدة الجندي قالت يوم الأربعاء: «الدولة السلفية التي لم تعد كامنة صارت لا تكف عن الزحف والمراوغة، والتي تجهض فكرة القانون بفرض العرف وجلسات الصلح، كأن طابورا خامسا كامنا في أحشاء الدولة يعطل حتى ما يصرح به السيد رئيس الجمهورية، الذي أعلنها أكثر من مرة آخرها في حفل تخريج دفعة الكلية الحربية: لا أحد فوق القانون من رئيس الجمهورية وحتى أبسط مواطن، المخطئ يحاسب. طيب إن كان من يفعل ذلك يدرك ما يتجه إليه، وهو لابد كذلك، فلابد أن نصرح بأن أوله استلاب لهوية الدولة والأخذ بها مغمضة العينين ليس باتجاه العدالة، ولكن نحو «سلفية السيد بكار» وإن تسربلت بعباءات شتى، بينها «هارفارد»، والذي لا فض فوه يقولها هو وأترابه بأعلى صوت «الأقباط كفار»، ولا أدري في الواقع موقع هذا الكلام من الدساتير التي عرفتها مصر على طول تاريخها، ولا معنى لوجود دستور محوره المواطنة، ثم بعد استلاب الهوية لا تستبعد التفكيك. ونستطيع لو استطردنا أن نقول كيف؟ ومادام قانون العقوبات لا يطبق وما دام الإذعان للصلح صار قدرا للمواطنين الأقباط، فما معنى تصريح السيد اللواء خالد فوزي مدير الإدارة العامة للإعلام لأحد البرامج «بأن وزارة الداخلية تقف بالمرصاد لأي فتنة، والأهم متى نرى حساب الحارقين للبيوت ومروعي الآمنين ومحطمي بيوت الله؟ متى نرى حساب المكفرين الذين يحرقون الدستور».

جمال أسعد عبد الملاك: مرقص ينفذ أوامر أمريكية

أما صديقنا العزيز السياسي والكاتب القبطي جمال أسعد عبد الملاك «ناصري» فقال في اليوم التالي الخميس في حديث لجريدة «اللواء الإسلامي» الأسبوعية أجراه معه زميلنا مهدي أبو عالية عن القمص مرقس عزيز: «مرقص عزيز وأمثاله يجب أن لا نطلق عليهم قمص أو كاهن أو رجل دين مسيحي، لأنه لا يعرف قيما دينية مسيحية أو أخلاقية أو وطنية، ولأن الدفاع عن أقباط مصر لا يستقيم مع مرقص وأمثاله. من يغادر مصر ويذهب للولايات المتحدة الأمريكية ليتاجر بورقة الأقباط، ويدعي كذبا وافتراء أنه يدافع عن الأقباط فإنه ليس من الأقباط بل هو عميل وخائن لبلده وأبناء شعبه. من يدافع عن الأقباط يجب أن يعيش بينهم ويتكلم على أرضية مصرية وطنية. إن هؤلاء العملاء ممن تجنسوا بالجنسية الأمريكية لا علاقة لهم بمصر ولا يحق لهم أن يتكلموا باسمنا، لأن لديهم أجندات أجنبية معلنة ولم تعد سرية أن الورقة القبطية ورقة قديمة يتم استدعاؤها حسب الطلب منذ الحروب الصليبية. قد تختلف الأساليب حسب الظروف السياسية، ونحن نواجه الآن مشروعا أمريكيا أقره الكونغرس الأمريكي منذ عام 1983 لتقسيم منطقة الشرق الأوسط لدويلات عرقية وطائفية ومذهبية، ولم تعد هناك مواربة في تنفيذه منذ طرحت الإدارة الأمريكية عنوانا لمشروعها بما يسمى «الفوضى الخلاقة»، وهي فوضي هدامة ونماذجها قائمة الان في العراق وسوريا وغيرهما من دولنا العربية، التي بشرنا فيها بالربيع فلم يأت سوى الخراب والدمار والهلاك. إن المدعو مرقص وغيره ينفذون أوامر امريكية تخدم المصالح الصهيونية وهم ضد العروبة والإسلام والمسيحية وضد فلسطين أليست هذه أفكارهم المعلنة فكيف لهؤلاء أن يتحدثوا عن قضايا الأقباط في مصر ولماذا يتطاولون على جيش مصر».

كيف نواجه المؤامرة الطائفية؟

ولقي اجتماع الرئيس مع البابا تواضروس وعدد من أعضاء المجمع المقدس اهتماما كبيرا ومرحبا في أغلبه، وإن كان قد احتوى على انتقادات من هنا وهناك، سواء للرئيس أو حتى للبابا، وجاء الهجوم على البابا وأعضاء المجمع المقدس الذين اجتمعوا مع الرئيس يوم السبت في «المقال» من زميلنا القبطي روبير الفارس الذي قال في انقلاب واضح على البابا: «ما زال لقاء الرئيس السيسي بالوفد الكنسي برئاسة البابا تواضروس يثير العديد من التساؤلات، ويطرح علامات مضنية من الوجع، لا الاستفهام او التعجب، فالدولة تفكر بعقلية معلبة وكتالوج ثابت. ترى الدولة الأقباط هم الكنيسة، والأخطر الآن من ترضى عنهم الكنيسة. فهنا لا يمثل الكنيسة البابا تواضروس فقط ولكنْ وفد من الأساقفة والكهنة، أي في الاساس رجال دين ومدرسة في الكلية الاكليركية، أي خاضعة لرجال الدين وفكرهم والسؤال هنا: هل هؤلاء هم الأقباط؟ لم لا تفكر هذه الدولة العقيمة خارج الصندوق؟ مثلا ماذا لو كان التقى الرئيس بالسيدة سعاد ثابت التي تعرت في المنيا؟ ألم يكن هذا أفضل بكثير من الكلام المكرر عن وحدة الصف والشعب القوي ضد المؤامرات؟ وماذا لو التقى الرئيس السيسي الذي يعشقه الأقباط بأسرة تم تهجيرها من العامرية غرب الإسكندرية؟ أما كان هذا الأمر سوف يقدم نموذجا وردا على كل مؤامرات الإعلام الغربي المزعومة التي تزرع الفتن أو تستغل دعوات المظاهرات أمام البيت الأبيض؟ يا سيادة الرئيس المحبوب هؤلاء ليسوا الأقباط هم أباؤهم الروحيون يصلون لهم ويعظوهم بكلمات الكتاب المقدس ويصلون في أفراحهم أو على جثامينهم وقت الموت هذا هو كل دورهم لذلك سيادتكم لم تلتق الأقباط وما زال جرحهم ينزف وقلبهم موجعا ولن يشفيهم النظر إلى الصورة الباسمة لكم مع الوفد الكنسي الروحي».

وأد الفتنة وبيت العائلة

أما زميله المسلم محمد زكي الشيمي فقال مهاجما الكنيسة: «الكنيسة تريد أن يكون الأقباط داخل وخارج مصر في ذمتها هي وحدها، وأن يسمعوا الكلام ويلتزموا بما تقرره، رغم أنه موقف سياسي لا يخص العقيدة، وتريد مكاسب من الدولة مقابل تلك السيطرة. والدولة تريد أن تكون الكنيسة في ذمتها وأن لا تتحرك الكنيسة خارج ما تريده الدولة، لا هي ولا أي قبطي ومستعدة لمنح بضعة مكاسب للكنيسة، أما المواطنون جميعا، مسلمين ومسيحيين، فيجب جميعا أن يبقوا تحت السيطرة مهما حدث. ثم يحدثك الجميع عن وأد الفتنة وعن بيت العائلة وعن دولة القانون. لن تتحقق دولة المواطنة أصلا ما دام المسيحيون في ذمة الكنيسة والكنيسة في ذمة الدولة والقانون في ذمة الله».

أقباط المهجر

ومن المقال إلى مجلة «روز اليوسف» الحكومية التي تصدر كل سبت وزميلنا عادل جرجس الذي شن هجوما عنيفا ضد مجدي خليل والقمص مرقص عزيز فقال عن مجدي: «أمر أقباط المهجر انفلت من يد البابا، فأغلبية أقباط المهجر يضغطون في قضية الأقباط من أجل مصالحهم، فلم تحدث على مر السنوات العشر الماضية أن ساهم هؤلاء في الخارج بحل واحد أو جاء أحدهم إلى مصر لمعايشة لقضية عن قرب. وأبرز اسمين لهؤلاء هما الناشط القبطي مجدي خليل المقيم في أمريكا إقامة دائمة والقسيس الهارب مرقص عزيز.
مجدي خليل من الرعيل الثاني لأقباط المهجر بعد جيل الآباء مثل عدلي أبادير وشوقي كاراس وسليم نجيب، وخليل هو رئيس منتدى الشرق الأوسط للحريات ويقيم مؤتمرا سنويا لمناقشة مشاكل الأقباط في مصر، يدعو إليه العديد من أعضاء الكونغرس الامريكي، وكان أحد الداعمين للنظام عقب ثورة 30 يونيو/حزيران، وهو من أبناء البابا تواضروس المقربين، ولكن فجأة أنقلب عليه ورفض الاستجابة لمطالبه بإلغاء المظاهرات التي أعلن عنها، وهو الأمر المستغرب، حيث سبق له أن أعلن أنه وأقباط المهجر قاموا بالحشد لدعم النظام الجديد، والرئيس السيسي على أثر طلب البابا منهم ذلك، فما الذي جعله ينقلب فجأة على البابا.
أما عن القمص مرقس فقال: يخرج علينا بين الحين والآخر القمص مرقص عزيز كاهن الكنيسة المعلقة الهارب من حكم بالإعدام والمقيم في الولايات المتحدة بفقاعة إعلامية يحاول فيها استغلال الأحداث للوقيعة بين المسلمين والمسيحيين. فالقمص اعتاد من خلال قناة فضائية يملكها على بث موضوعات مثيرة للجدل عن الدين الإسلامي وانتقاده. وقد كشف القمص صليب متي ساويرس عضو المجلس الملي، النقاب عن أن مرقص عزيز هو «الأب يوتا»، الذي كان ينشر مقالات ينتقد فيها النبي محمد «صلى الله عليه وسلم « انتقادات لاذعة، وأن عزيز كانت عليه ملاحظات وانتقادات كنسية، منها أنه كان يقوم بتأجير المنطقة المحيطة بسور الكنيسة المعلقة لأصحاب البازارات السياحية ولقد ثارت مشكلة كبيرة بسبب الأموال الباهظة التي يتلقاها من التجار نظير استغلال الأراضي المحيطة بسور الكنيسة، حيث طالب التجار بتملك تلك الأراضي والترخيص لهم، وهو ما يمنعه القانون، لأن المنطقة الواقعة فيها الكنيسة منطقة أثرية لا يجوز تأجيرها والتصرف فيها بالبيع. كما أنه كان دائما ما يردد أن هناك محاولات لاغتياله تتم بين الحين والآخر. ومن الطريف أنه أدعى في إحدى المرات أن هناك اتوبيس نقل عام حاول اغتياله هو وأسرته. هذه التصرفات وغيرها كانت سببا في أن يقرر البابا شنودة الثالث استبعاده من الخدمة في كنائس مصر، وسافر إلى الولايات المتحدة حيث أسس قناة فضائية هناك يبث منها برامجه المثيرة للجدل».

المساواة بين الجاني والضحية

أخيرا إلى جريدة «وطني» القبطية التي تصدر كل أحد وقول رئيس مجلس إدارتها وتحريرها زميلنا يوسف سيدهم عن لقاء الرئيس مع البابا تواضروس وعدد من أعضاء المجمع المقدس: ‏الجميع‏ ‏أجمعوا‏ ‏على‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏يحدث‏ ‏هو‏ ‏إرهاب‏ ‏وإجرام‏ ‏منفلت‏ ‏يستبيح‏ ‏اغتصاب‏ ‏القانون‏ ‏ويستمرئ‏ ‏ضعف‏ ‏الدولة‏ ‏وتخاذلها‏، ‏ويفلت‏ ‏بفعلته‏ ‏الإجرامية‏ ‏من‏ ‏المساءلة‏ ‏بفضل‏ ‏سيناريو‏ ‏كارثي‏ ‏يعمل‏ ‏على‏ ‏تزييف‏ ‏واقع‏ ‏الجريمة‏ ‏بتصويرها‏ ‏في‏ ‏صورة فتنة‏ ‏طائفية،‏ ‏ويساوي‏ ‏بين‏ ‏الجاني‏ ‏والضحية،‏ ‏حيث‏ ‏الجاني‏ ‏مجرم‏ ‏متأسلم‏ ‏موتور‏ ‏والضحية‏ ‏قبطي‏ ‏مسالم‏ ‏مقهور‏. ‏ويستمر‏ ‏السيناريو‏ ‏الكارثي‏ ‏في‏ ‏تنظيم‏ ‏جلسة‏ ‏مأساوية‏ ‏يطلق‏ ‏عليها‏ ‏جلسة‏ ‏صلح‏ ‏بين‏ ‏الجاني‏ ‏والضحية‏ – ‏ولا‏ ‏يهم‏ ‏هنا‏ ‏هل‏ ‏ذهبت‏ ‏الضحية‏ ‏إلى ‏تلك‏ ‏الجلسة‏ ‏بإرادتها‏؟ ‏أم‏ ‏أنها‏ ‏رضخت‏ ‏صاغرة‏ ‏واقتيدت‏ ‏رغما‏ ‏عنها‏ ‏تحت‏ ‏وطأة‏ ‏التهديد‏ ‏والترويع‏؟ – ‏وتزخر‏ ‏وقائع‏ ‏الجلسة‏ ‏بحديث‏ ‏بائس‏ ‏مزركش‏ ‏تتبادله‏ ‏سائر‏ ‏الشخصيات‏ ‏الرسمية‏ ‏والشعبية‏ ‏الراعية‏ ‏للجلسة‏ ‏يبرع‏ ‏في‏ ‏تزييف‏ ‏الحقائق‏ ‏وتغييب‏ ‏العقول‏ ‏وتسويف‏ ‏الجريمة‏، حتى‏ ‏تنتهي‏ ‏الجلسة‏ ‏بتوقيع‏ ‏اتفاق‏ ‏صلح‏ ‏بين‏ ‏الجاني‏ ‏والضحية‏.‏
إلى‏ ‏هنا‏ ‏والكارثة‏ ‏محصورة‏ ‏في‏ ‏نطاق‏ ‏مسرحية‏ ‏هزلية‏ ‏يتولى‏ ‏تمثيلها‏ ‏أطراف‏ ‏الجريمة‏ ‏وضحاياها، لكن‏ ‏أن‏ ‏تكتمل‏ ‏فصول‏ ‏المسرحية‏ ‏بإشراك‏ ‏الدولة‏ ‏والقانون‏ ‏والمجتمع‏ ‏كأطراف‏ ‏فاعلة‏ ‏فيها‏ ‏فذلك‏ ‏بعينه‏ ‏قمة‏ ‏المهازل‏ ‏بإعطاء‏ ‏الشرعية‏ ‏للجريمة‏ ‏ومكافأة‏ ‏المجرمين‏ ‏وتعطيل‏ ‏القانون‏ ‏وإهدار‏ ‏حق‏ ‏المجتمع‏ ‏في‏ ‏القصاص‏ ‏العادل‏. ‏هذا‏ ‏يحدث‏ ‏عندما‏ ‏تتسلم‏ ‏النيابة‏ ‏محضر‏ ‏الصلح‏ ‏المحرر‏ ‏بين‏ ‏الجناة‏ ‏والضحايا‏ ‏فتهرع‏ ‏على‏ ‏الفور‏ ‏في‏ ‏إخلاء‏ ‏سبيل‏ ‏جميع‏ ‏المتهمين‏ ‏ويا دار‏ ‏ما‏ ‏دخلك‏ ‏شر‏! ها هو الرئيس السيسي يلتقي الخميس الماضي بوفد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا، وأسفر اللقاء عن الكلام الدافئ المعسول ذاته، الذي يدير ظهره للواقع المأساوي في المنيا ويحول دفة الأمور نحو البديهيات والعموميات هكذا، تاركا الجاني ينعم بحريته والضحية تلعق جراحها وتبتلع مرارتها وتنام على قهرها ولا عزاء للدولة والقانون وليبقى الحال على ما هو عليه».
الدين النصيحة

وإلى الصراع الذي بات واضحا بين الأزهر ووزارة الأوقاف بشأن قرار الوزير الدكتور محمد مختار جمعة بشأن الخطبة الموحدة التي تلقى يوم الجمعة كجزء من تطوير الخطاب الديني ورفض الأزهر وكبار رجالاته لها، وكذلك بعض أعضاء لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب. وهذا الصراع قال عنه يوم الخميس رئيس تحرير جريدة «اللواء الإسلامي» عبد المعطي عمران: « الدكتور محمد مختار جمعة رجل نقدره ونحترمه ولا نبخسه حقه ولا جهده المتميز، ولكنه كما قلت في الأسبوع الماضي ليس معصوما من الخطأ وواجبنا النصح له ولولاة الأمر، كما علمنا ديننا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه «الدين النصيحة.. قلنا لمن يا رسول الله قال لأئمة المسلمين وعامتهم». كما أننا نصدر في هذا الموقف من الخطبة المكتوبة عن آراء ومواقف كبار علماء الأزهر الذين نجلهم ونحترمهم والذين ينتسب إليهم وزير الأوقاف نفسه، فنحن لسنا علماء أو فقهاء، وحاشا لله، أن نردد رأيا يخالف الشرع، ولكننا نؤيد ما نعتقد أنه من صحيح الدين.
وبصراحة فإن موضوع الخطبة المكتوبة فضلا عن معارضة العلماء له، فقد نال من التريقة والاستهجان من الصحافة والإعلام ومن عامة الناس ما يجعل من الأكرم والأجدى للوزارة أن تتراجع أو تتركه، من دون متابعة، رغم ما يقول البعض من أن هناك ضغوطا على الوزير لتطبيقه، وكان الله في عونه، ولكن أمام هذا الرفض الجارف سيجد المبرر لإنقاذ الأوقاف من هذه الورطة».
وهكذا فإن عبارة هناك ضغوط على الوزير لتطبيقه إشارة إلى مستشار الرئيس للشؤون الدينية الدكتور الشيخ أسامة الأزهري بطريقة غير مباشرة وإلى رئاسة الجمهورية نفسها ومقال عبد المعطي يكتبه في الصفحة الأخيرة تحت عنوان «في ظلال الحرية».

محمد مختار جمعة: خدمة الدين والوطن هدفنا

لكن لوحظ أن جريدة «اللواء الإسلامي» في صفحتها الأولى نشرت تصريحات لوزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة أدلى بها لزميلنا محمود الإمامي نفى فيها ما نشر عن تراجعه عن المشروع وأكد أنه موضوع لتنفيذ خطة فعلا ومما قاله: «نحن نستمع إلى كل الأصوات طالما هدفها خدمة الدين والوطن. وجلسات الحوار والنقاش مستمرة لتلافي السلبيات والتأكيد على الإيجابيات وهناك من كان رافضا للخطبة المكتوبة، لكنه عدل عن رأيه بعد أن جلس معنا وعرف أن الخطبة الموحدة المكتوبة هدفها تحقيق مشروع فكري استراتيجي، يحقق مصلحة شرعية ووطنية وفق رؤية شاملة لتحقيق الفهم المستنير للدين، من دون شطط أو تفرق في الكلمة أو اختراق فكري، وأن الحوار والتواصل والإقناع السبيل لتحقيق ذلك، وتحقيق كل ما يتعلق بالمصلحة العامة، فالهدف مصلحة دينية ووطنية. وهناك من هو متفهم وهناك من يقول نعطي الفرصة للتجربة قبل الحكم عليها، فعلى المعارضين ألا يتعجلوا في الحكم على التجربة وسيتأكد هؤلاء من أن الخطبة المكتوبة سوف تسترد الخطاب الديني المختطف وتحقق مصلحة شرعية ووطنية. إن قيادات الوزارة وأئمتها يدركون جيدا أن الأزهر الشريف المرجعية الإسلامية الكبرى، وأنهم يكنون للمؤسسة وللإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر كل الاحترام والتقدير، وأنه لا مجال للمزايدة على انتماء الوزارة العميق للأزهر الشريف. وثمن دور الإمام الأكبر في إعطاء كل جهة ومؤسسة دينية أو دعوية حرية اتخاذ القرار، فيما يتصل بشؤون إدارتها طالما أن الأمر قابل للاجتهاد وتقدير الجهة للمصلحة بما لا يخالف نصا شرعيا».

إطفاء نيران التطرف والتكفير

وأمس الأحد واصل الدكتور أسامة الأزهري عضو مجلس النواب والأستاذ في جامعة الأزهر والمستشار الديني للرئيس السيسي في مقاله الأسبوعي، غمز الأزهر بطريقة غير مباشرة مؤكدا انحيازه للأوقاف بطريقة غير مباشرة أيضا، بأن قال محاولا الظهور في مظهر المحايد والناصح الأمين: «إن الأزهر الشريف مؤسسة كبرى تضم بين جنباتها وزارة الأوقاف ودار الإفتاء وجامعة الأزهر وهيئة كبار العلماء وقطاع المعاهد الأزهرية ومجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ومدينة البعوث الإسلامية.
على أكتاف هذه المؤسسة أمانة عظمى مكونة من عدة أمور أولها، إطفاء نيران التطرف والتكفير من الإخوان و«داعش» و«القاعدة» وبوكو حرام وغيرها من تيارات الإرهاب، وملاحقة طروحات هذه التيارات بالتفكيك والإفحام وإغراق الفضاء الإلكتروني بالمواجهة الشاملة لهذا الفكر الأسود. وثانيها تعزيز منطق الإيمان وتقديم البراهين والعلوم العقلية الدقيقة التي تؤكد قضية الغيب وتبرهن على صحة منطق الإيمان، فإذا تضافرت تلك المؤسسات على رؤية واحدة ومنظومة عمل وتقاسم للأدوار وهضم للنفس وجمع للشمل وإعلاء لقيم الدين وأخلاقه، كان هذا هو المأمول من المؤسسات الدينية كلها. أما إذا انخرطت تلك المؤسسات في مكايدة بعضها بعضا والانتقام والتشفي والتربص والتصيد والتنكيل، فإن الإمام القويسنى والإمام الأمير والصبان والملوي والطهطاوي والدجوي ومحمد عبده والشمس الأنبابي والمراغي والمرصفي والشعراوي وعبد الحليم محمود وسائر علماء الأزهر عبر تاريخه ليتألمون في برزخهم من ذلك».

استغلال المنابر لبث التطرف

وفي يوم السبت نفسه لقي وزير الأوقاف دعما من زميلنا في «الجمهورية» حسن الرشيدي بقوله في عموده «كلام محظور»: «بصراحة هذا الخلاف بين الوزير وأنصاره من جانب وعلماء الدين من جانب آخر قد زاد عن الحد، ويسيء للأطراف المختلفة، لأن رجال الدين وعلماء الإسلام الذين ينبذون الفتن والخلافات ويحثون الناس على الاصطفاف والوحدة لا يجوز أبدا أن يختلفوا بهذا الأسلوب الذي يهز ثقة الناس فيهم. بصراحة قرار وزير الأوقاف لا يستحق كل هذه الضجة وحالة الاختلاف لأن توحيد الخطبة وتحديد مدتها ليس جريمة فالغرض نبيل لمنع نشر الفكر المتشدد والتطرف الأعمى من خلال بعض خطباء يستغلون المنابر».

«دولة الأزهر المستقلة»

وكان الأزهر ومستشاره القانوني محمد عبد السلام، قد تلقي هجوما عنيفا يوم الأربعاء في «الوطن» من زميلنا محمود الكردوسي رئيس التحرير التنفيذي بقوله في بروازه «كرباج»:
«حرك طفل الأزهر المعجزة «مولانا محمد عبدالسلام» أركان المشيخة ودبدب بقدميه أمام «حاشيته» الموقرة فانتفضت وتمخضت عن بيان مخجل توعدت فيه كتاباً هاجموا «ذات الأزهر العليا» التي هي «ذات» الأخ «عبدالسلام» الذي هو الحاكم الفعلي لـ«دولة الأزهر المستقلة» الذي تسبح كل عمائم المشيخة ولحاها بعطاياه ومنحه «الدولارية»، وبدافع من غطرسته وجنون عظمته وفي ظل حالة التنويم المغناطيسي التي يمارسها مع فضيلة الإمام الأكبر وأخرج من «سقيفة كبار علمائه» واحداً من رجالاته هو الدكتور محمود مهنا عضو الهيئة ليهاجم وزير الأوقاف شخصياً بسبب «الخطبة المكتوبة»، ويصفه بأنه «ينفذ تعليمات من جهات في الدولة» يقصد «الدولة الأم» أي «مصر». السؤال للأخ عبدالسلام: «إيه اللي فرعنك؟» جاوبني!».

حرمة إمام الأزهر
من حرمة الدين

ولكن الكردوسي لم يتلق إجابة من محمد عبد السلام المستشار القانوني للأزهر، وإنما من جميلة كانت زميله له في «الأهرام» هي زميلتنا إلهام شرشر رئيسة مجلس إدارة وتحرير جريدة «الزمان» الأسبوعية التي تصدر كل يوم جمعة إذ قالت في دفاع قوي عن الأزهر وشيخه: «الاتهامات التي توجه ليل نهار إلى المؤسسة الأزهرية العملاقة التي سجل التاريخ لها من المواقف والأعمال ما يستدعي التقدير والاحترام. وقد خرجت هذه المعارضة عن أشكال اللياقة والأدب. فكثيرا ما نسمع هؤلاء وهم يقدحون في شخص الإمام الأكبر الذي يمثل رمزا للدين وعنوانا للمسلمين يستوجب الاحترام والتبجيل، لأن مكانة شيخ الأزهر لا تمثل شخصه فقط بل إنها مساس بالأزهر بل بالمسلمين، فحرمة الإمام من حرمة هذا الدين الذي ننتسب إليه جميعا، لذلك يعد النيل منه في الحقيقة اعتداء صارخا على هيبة المسلمين ومكانتهم، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بين مكانة الإمام ومكانة المؤسسة، بل ومكانة الإسلام. على اعتبار أنه رمز للإسلام والمسلمين عبر التاريخ. وبكل أسف لا أجد حسن نية في محاولة النيل أو المساس بشخص الإمام الأكبر، لأن الهدف من استحلاله هو استحلال دور الأزهر حائط الصد المنيع في الدفاع عن الإسلام أو الدعوة إليه».
وقد لاحظت أن عدد الجمعة الماضي خلا من اسم زميلنا وصديقنا مكرم محمد أحمد من منصب مستشار التحرير، بما يعني أنه تركه. كما واصلت إلهام شرشر كتابة تعليق باسمها أعلى كل صفحة وكان لها في هذا العدد ثلاث مقالات احتلت خمس صفحات كاملة.

معارك وردود

وإلى المعارك والردود المتنوعة التي لا رابط بينها مثل قول زميلنا في «الأهالي» لسان حال حزب التجمع اليساري منصور عبد الغني: «من المستفيد من سيطرة وتمدد أصحاب الحناجر والأصوات التي بررت لمبارك كل شيء، وهتفت ليناير/كانون الثاني في وقتها، وأكلت على موائد الإخوان وركبت موجة 30 يونيو/حزيران، وشعارها لتحيا أي سلطة وليبقى أي رئيس ما دمنا في معيته نطبل ونهلل ونمنع عنه مؤيديه من أصحاب العقول وحاملى هموم الوطن، ممن يمتلكون رؤى وأفكارا وحلولا لمشاكلنا الاقتصادية وغيرها، ولا يستطيعون التطبيل ولا يحبون المطبلين. الدولة مستقرة لا شك وإنجازات تحققت لا يمكن إغفالها ورئيس وطني صادق يكفينا منه أنه أبقى لنا مصر. والخبراء والمتخصصون الذين يمتلكون الحلول والعلاج ينتظرون والمطلوب فقط تغيير آلية الاختيار لإنقاذ الدولة، رحم الله الشهداء وألهمنا وأهلهم الصبر والسلوان».

عقوبة «حفظ ماء الوجه»

ومن رجال مبارك إلى معركة أخرى لزميلنا خفيف الظل محمد عمر في «أخبار اليوم» يوم السبت عن الذي سيحدث في قضية عضو مجلس النواب زينب سالم التي اعتدت على رئيس مباحث قسم شرطة مدينة نصر وأهانته وهددته: «أنت مش عارف أنا مين»، وتحقيقات النيابة التي أوصت النائب العام بطلب رفع الحصانة عنها لمباشرة التحقيق معها، ورغم ذلك نام الموضوع حتى الآن ويبدو أنه لن يصحو ولذلك قال عمر: «من دون معلومات مؤكدة من المتوقع أن ينال كل من الضابط والنائبة المتهمين بالاعتداء والتطاول على بعضهما بعضا «عقوبة ما»، ولكنها ستكون عقوبة من نوعية «حفظ ماء الوجه»، والمعروفة في علم الكوسة القانونية بأنها عقوبة اسما وليست فعلا حاجة كدة زي اللوم والعتب ومتعملوش كده تاني عشان «مامي» ما تزعلش منكم. وسيتم كما يقول العامة «الطرمخة» على الموضوع ودفنه تحت إطار الصالح العام وعلاقات التعاون البناءة والمثمرة بين مؤسسات الدولة، وبما لا يكدر أو يعكر الصفو العام».

أزمة التعليم

وإلى نوعية أخرى من المعارك ينطبق عليها للأسف وصف المسخرة، وأنا لا أقول ذلك دفاعا عن خالد الذكر وإنما للأسف الشديد يتورط رجال كبار وعلماء في تزييف الوقائع المعلومة للكافة، فقد نشرت «الوفد» يوم السبت وعلى صفحة كاملة حديثا مع الدكتور حمدي السكوت الخبير التعليمي والتربوي والأستاذ الفخري لقسم الحضارة العربية والإسلامية في الجامعة الأمريكية أجراه معه زميلنا ممدوح الدسوقي قال فيه عن أزمة التعليم وأسبابها: «أزمات التعليم في مصر راسخة ومتجذرة، وفي منتهى القوة، ومن الصعب القضاء عليها لأنها حدثت بفعل فاعل وبقرارات غير مدروسة من المسؤولين منذ يوليو/تموز 1952بسبب التحاق أعداد مهولة من الطلاب بالتعليم، من دون استعداد الدولة لاستقبالهم وإعدادهم الإعداد الجيد، بعدما قرر عبدالناصر فرض مجانية التعليم، لأن الدول العربية كانت بدأت تتجه نحو المدنية بعد ظهور البترول. ومن الطبيعى أنهم كانوا سيحتاجون إلى موظفين في شتى المجالات فتم تطبيق سياسة المجانية، من دون دراسة أو استعداد، مع أن الوفد هو الذي بدأ مجانية التعليم ولكن بتعقل وروية، بما لا يخل بالمنظومة التعليمية، فظهر لنا علماء وأدباء وشعراء نفتخر بهم. للأسف لم تتم الاستفادة من البعثات الخارجية لأن عبدالناصر أصدر قرارًا بتجميد الكادر الخاص للأساتذة الذين سافروا وحصلوا على البعثات فهرب الأساتذة إلى دول الخليج والطلبة المساكين لم يتطوروا واعتادوا على الحفظ والتلقين ولم يعتادوا على الفهم والبحث العلمي».