&شملان يوسف العيسى&&

ارتفعت وتيرة العنف والإرهاب والحروب الأهلية المقيتة ذات الطابع المذهبي والديني، بعد أن تم إجهاض كل المشاريع السلمية للحروب العربية في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا. ففي اليمن مثلاً، عادت الحرب الأهلية مرة أخرى بين أنصار علي عبد الله صالح والحوثيين من جهة، وقوات الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية من جهة أخرى. أما في سوريا، فقد ازدادت وتيرة الحرب بين النظام وأنصاره من القوات الروسية والإيرانية والميليشيات الشيعية القادمة من لبنان والعراق وإيران ودول آسيا الوسطى، ضد أنصار الجيش الحر وقوى الاعتدال الإسلامي المدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الخليج العربية في محيط حلب. وينطبق الأمر ذاته على الأوضاع في ليبيا، فالدول الغربية - ممثلة بالقوات الأميركية والإيطالية والفرنسية - كلها بعثت بقواتها الجوية والبحرية لمحاربة فلول «داعش» في بعض المناطق في ليبيا.

في العراق، تستعد القوات العراقية، مدعومة بقوات «الحشد الشعبي» الطائفية، ومعها قوات إيرانية وميليشيات طائفية، لتحرير مدينة الموصل التي استولت عليها قوات «داعش» قبل عامين، بعد انسحاب جيش المالكي منها. والمصيبة أن حكومة عبادي التي يقودها حزب الدعوة الإسلامي الطائفي تفضل التعاون ومساعدة القوات الإيرانية، والمستشارين الأميركيين والغربيين، وترفض أي تدخل عربي لتحرير الموصل من تنظيم داعش الإرهابي.

تأتي كل هذه التحديات أمام العرب وهم في أسوأ حالاتهم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، مما زاد من اعتمادهم على القوى الخارجية لتحرير بلدانهم، وفرض الأمن والاستقرار فيها.

السؤال: هل تستطيع الأنظمة العربية مواجهة كل هذه التحديات، والصمود في وجه تداعياتها السياسية التي ستطول كل الأقطار العربية بلا استثناء؟

بعيدًا عن المزايدات السياسية، والأحلام غير الواقعية الداعية إلى التضامن والتعاون والوحدة العربية لتخطي المشكلات التي تواجه منطقتنا كلها، فإن واقع الحال عمليًا وفعليًا هو أننا أمة عربية ضعيفة مهزومة غير قادرة على الدفاع عن نفسها، داخليًا وخارجيًا، لذلك لا غرابة من اعتماد بلداننا على الدول الكبرى الغربية، ودول الجوار العربي، لضمان أمن المنطقة واستقرارها. والدليل على ذلك عقد كل من سوريا والعراق اتفاقيات أمنية مع الجمهورية الإسلامية والاتحاد الروسي والولايات المتحدة (في حالة العراق) لحماية النظام الطائفي في البلدين. دول الخليج العربية، ومعها دول الاعتدال في كل من الأردن والمغرب، تربطها اتفاقيات أمنية مع الدول العظمى، وتحديدًا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

الإشكالية هنا أن الدول العظمى لديها مصالحها ورؤيتها الخاصة لكيفية الحفاظ عليها. هذه الدول العظمى لا تملك رؤية مشتركة لفرض الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، والدليل على ذلك إقدام روسيا على استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، الأسبوع الماضي، ضد القرار الدولي بفرض الأمن والاستقرار في اليمن، مما شجع الحوثيين وقوات صالح على معاودة الحرب. روسيا كذلك ترفض الضغط على الحكومة السورية لحضور مؤتمر جنيف للسلام لأنها تطمح لأن ترى الحكومة السورية منتصرة عسكريًا، لضمان بقاء روسيا في سوريا، وهي آخر بلد يوجد فيها نفوذ روسي بعد إبعاد روسيا عن المنطقة العربية.

هل يمكن الوثوق بالولايات المتحدة كحليف استراتيجي للعرب؟ الولايات المتحدة لا تزال مترددة في إنهاء الحرب في سوريا أو العراق. ومن المفارقات الغريبة أن الولايات المتحدة تتحالف مع إيران لمحاربة «داعش» في العراق، رغم رفض الأحزاب السياسية الطائفية في العراق لوجودها معهم.

الصراع الإقليمي الخفي بين الجمهورية الإسلامية والمملكة العربية السعودية، حول التدخل الإيراني في المنطقة العربية، بدأ يأخذ بعدًا خطيرًا، خصوصًا أن بعض الدول العربية والخليجية لديها مصالح مع إيران تجعلها تتخذ مواقف غير معلنة ضد إخوتهم، مثلما يحصل اليوم في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن. الأزمات الخانقة التي تعصف بالعالم العربي أوجدت فراغًا سياسيًا سمح لإيران، وغيرها من الدول الغريبة، بالتدخل في منطقتنا، وقد ساعد بروز الإرهاب والإرهابيين الإسلاميين، وتهديدهم للمنطقة، في لجوء معظم الأنظمة العربية إلى الدول العظمى، بحثًا عن المظلة الأمنية وتوثيق العلاقات الاستخباراتية والأمنية باسم محاربة الإرهاب.

يخطئ من يظن أن التدخل الغربي والأجنبي سيتوقف بعد هزيمة الإرهاب ودحره، فالدول العظمى - وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا - تحرص على مناطق نفوذها ومصالحها في المنطقة – روسيا لديها قواعد عسكرية في سوريا، وتحرص على بقائها واستمرارها مهما كانت طبيعة التسوية.

كذلك تحرص أميركا والغرب على مصالحهما الاقتصادية والسياسية، فلديهما قواعد برية وبحرية وجوية في معظم دول المنطقة، والولايات المتحدة بذلك تضمن بقاء إسرائيل، وتدفق النفط لحلفائها في آسيا والدول الغربية، ويبقى السؤال: إلى متى تستمر حالة التمزق والتخلف في العالم العربي؟

&&