&على رغم استمرار الوساطات للتوصل الى اتفاق ينهي اشتباكات مستمرة منذ ستة ايام، تواصلت المعارك العنيفة في الحسكة بتصعيد المقاتلين الاكراد هجماتهم لطرد القوات النظامية والميليشيات الموالية من هذه المدينة، في وقت أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو أن الحدود التركية-السورية يجب أن «تطهر» بالكامل من «داعش» وسط أنباء عن دعم أنقرة لمقاتلين سوريين لطرد التنظيم من جرابلس الحدودية. وانتقد زعيم تنظيم «القاعدة» ايمن الظواهري تنظيم «داعش».

وتواصلت أمس المعارك غداة تضارب معلومات حول التوصل الى اتفاق تهدئة في المدينة التي يتقاسم الأكراد وقوات النظام السيطرة عليها في شمال شرقي سورية، اذ نفت مصادر كردية تقارير أفاد بها مصدر عسكري والاعلام الرسمي حول اتفاق لوقف اطلاق النار.

وبعد هدوء بعد ظهر أول من أمس، أفاد صحافي متعاون مع «فرانس برس» في الحسكة أمس أن الاشتباكات تجددت بعد منتصف الليل وتركزت في جنوب المدينة ووسطها، مع تقدم لـ «وحدات حماية الشعب» الكردية من حي الغويران (جنوب). وقال انه شاهد عناصر من الجيش السوري ينسحبون باتجاه الجزء الغربي من الحي.

واعتبر مدير «المرصد السوري لحقوق الانسان» رامي عبدالرحمن ان تجدد المعارك يعود الى ان الأكراد «يسعون الى تحسين موقعهم في المفاوضات الجارية لحل الازمة برعاية روسية في القامشلي». وقال «المرصد»: «لا تزال المعارك العنيفة متواصلة في أحياء النشوة الشرقية والمساكن وغويران غربي بمدينة الحسكة، بين القوات الكردية وقوات الأمن الداخلي الكردي (أسايش) من جانب، وقوات النظام وقوات الدفاع الوطني من جانب آخر، وسط استمرار القصف المتبادل بين الطرفين، وكانت القوات الكردية سيطرت اليوم (أمس) على كامل غويران شرقي ومنطقة دوار الباسل الواقع في الجهة الجنوبية للمدينة، حيث قتل رجل جراء إصابته برصاص عشوائي على خلفية الاشتباكات القائمة في المدينة».

وكان مصدر حكومي أكد لـ «فرانس برس» ان عسركيين روسيين يعقدون اجتماعات مع الطرفين في القامشلي لحل الازمة، فيما تحدث مصدر كردي عن «بعض الوساطات» من دون تحديد الجهة.

ويسيطر الأكراد على ثلثي الحسكة، فيما تسيطر قوات النظام السوري على بقية المدينة.

وبدأت المواجهات الأربعاء الماضي باشتباكات بين قوات الامن الداخلي الكردية (أسايش) وقوات الدفاع الوطني الموالية للنظام، لتتدخل فيها لاحقاً كل من «وحدات حماية الشعب» والجيش النظامي السوري.

وتصاعدت حدة المعارك مع شن الطائرات السورية الخميس والجمعة الماضيين غارات على مواقع للأكراد في الحسكة للمرة الاولى منذ بدء النزاع في سورية قبل اكثر من خمس سنوات.

ومنذ ذلك الحين، تحلق الطائرات السورية، وفق «المرصد»، في شكل متقطع في سماء المدينة من دون تنفيذ اي غارات، ويأتي ذلك بعد تحذير واشنطن دمشق من شن غارات تعرض سلامة مستشاريها العسكريين العاملين مع الاكراد على الارض للخطر. واعتبر عبدالرحمن ان «كلا الطرفين يهدف من خلال المعارك الجارية الى اثبات قوته على الارض في المدينة وتثبيت تواجده في كامل محافظة الحسكة».

ويسيطر الأكراد على الجزء الاكبر من محافظة الحسكة الحدودية مع تركيا والعراق، فيما تسيطر قوات النظام على عدد من القرى ذات الغالبية العربية في محيط مدينتي القامشلي والحسكة. ويتواجد تنظيم «داعش» في أقصى الريف الجنوبي الحدودي مع محافظة دير الزور.

ومع استمرار المعارك الاثنين، اتهم مصدر عسكري في قوات النظام «وحدات حماية الشعب» الكردية «بخرق الهدنة عبر رفضها إجلاء الجرحى والقتلى الى القامشلي»، فيما نفت مصادر كردية وجود هدنة اساساً، مؤكدة استمرار العمليات القتالية في المدينة.

ويطالب الأكراد بتحديد تواجد قوات النظام في المربع الأمني في وسط المدينة حيث المؤسسات الحكومية والأمنية كافة ومبنى المحافظة، كما يشددون على ضرورة حل «قوات الدفاع الوطني» التي طالما تشتبك مع قوات «أسايش».

ومنذ اتساع رقعة النزاع في سورية في العام 2012، انسحبت قوات النظام تدريجياً من المناطق ذات الغالبية الكردية محتفظة بمقار حكومية وادارية وبعض القوات في المدن الكبرى، لا سيما في الحسكة والقامشلي. كما انه في آذار (مارس) الماضي أعلن الاكراد النظام الفيديرالي في مناطق سيطرتهم في شمال سورية.

وأكد مصدر في المكتب الإعلامي للادارة الذاتية الكردية (روج آفا) لوكالة «فرانس برس» ان «حالياً ليس هناك اي مخطط للسيطرة الكاملة على المدينة (الحسكة)». وقال: «نحن نريد تطوير الادارة الذاتية والنظام الفيديرالي وعلى النظام عدم التدخل في شؤون المجتمع والانكفاء في مربعه الأمني». وأوضح ان المطالب التي يتم تبادلها عبر «بعض الوساطات غير المباشرة» تتضمن في شكل اساسي «حل قوات الدفاع الوطني في المدينة».

وهذه ليست المرة الأولى التي يطالب فيها الأكراد بحل «قوات الدفاع الوطني»، فخلال اشتباكات دامية في مدينة القامشلي في نيسان (أبريل) الماضي طالب الاكراد بإعادة النظر بتشكيلات «الدفاع الوطني»، الأمر الذي لم يتحقق.

وترفض دمشق مطلب الأكراد بحل «قوات الدفاع الوطني»، وعرضت فقط تسريح بعض العناصر، وفق ما كان أفاد موقع «المصدر» الاخباري المقرب من الحكومة. وأوضح عبدالرحمن أن النظام «يعتمد اساساً على قوات الدفاع الوطني في مدينة الحسكة، اذ يفوق عديدها عدد القوات النظامية المنشغلة في جبهات قتال أخرى».

وانتقلت المواجهات بين الطرفين الى حلب، حيث أفيد بمحاولة قوات النظام الضغط على «وحدات حماية الشعب» في حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية، الأمر الذي قوبل بأن وضع المقاتلون الاكراد طريق الكاستيلو تحت نيرانهم علماً أن سيطرة الاكراد على هذه المواقع ساعدت القوات النظامية على حصار حلب في منتصف تموز (يوليو) الماضي.

وفي ريف حلب، بعدما سيطرت «قوات سورية الديموقراطية» الكردية - العربية على مدينة منبج بدأت بالتخطيط لهجوم على مدينة الباب والتوجه الى جرابلس على حدود تركيا ثم الى عفرين، الأمر الذي قابلته أنقرة برفض اي ربط بين الأقاليم الكردية شرق نهر الفرات وغربه، وتضم الجزيرة (الحسكة والقامشلي) وعين العرب (كوباني) شرقاً وعفرين غرباًَ.

وقدمت أنقرة دعماً لمقاتلين عرب لطرد «داعش» من شمال حلب ومناطق قرب الحدود. وقال جاويس اوغلو الاثنين ان الحدود التركية-السورية يجب ان «تطهر» بالكامل من «داعش». وأضاف للصحافيين في أنقرة: «يجب تطهير حدودنا بالكامل من داعش»، مضيفاً: «من واجبنا الطبيعي محاربة هذا التنظيم الارهابي على اراضينا كما في الخارج».

وفجر فتى انتحاري نفسه السبت اثناء حفل زفاف كردي في مدينة غازي عنتاب (جنوب شرقي تركيا) القريبة من الحدود السورية، ما أسفر عن مقتل 54 شخصاً وفق اخر حصيلة بينهم عدد كبير من الاطفال. وأثار هذا التفجير صدمة كبيرة في تركيا التي شهدت اعتداءات عدة نسبت الى المتطرفين.

وتعتقد القوات الامنية التركية ان المتطرفين نفذوا هذا الاعتداء انتقاماً للهجمات التي تقوم بها الميليشيات الكردية وفصائل معارضة سورية مدعومة من أنقرة في سورية ضد تنظيم «داعش». وقال جاوش أوغلو: «ان تركيا كانت دوماً الهدف الاول لداعش».

ووعد بدعم «كل عملية ضد هذا التنظيم في سورية»، وذلك في معرض رده على سؤال وجهه احد الصحافيين عما اذا كانت تركيا تدعم هجوم المعارضة المعتدلة السورية لتحرير مدينة جرابلس التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية.

وتقصف المدفعية التركية منذ ايام عدة مواقع تنظيم «داعش» على حدودها مع سورية. وأضاف جاوش اوغلو: «سنحارب داعش حتى النهاية وندعم ايضاً المعركة التي تخوضها الدول الاخرى ضد هذا التنظيم الارهابي».

وأكد جاوش اوغلو الذي فتحت بلاده قاعدتها الجوية في انجرليك (جنوب) امام التحالف المعادي لتنظيم «داعش»، ان تركيا لا تسمح بهذا التنظيم على اراضيها ولهذا السبب فان رئيسها رجب طيب اردوغان هو «الهدف الاول» له.

الى ذلك، شن زعيم تنظيم «القاعدة» هجوماً على «داعش»، معتبراً كل مَن بايع «إبراهيم البدري» (أي أبو بكر البغدادي)، بعد علمه بجرائمه، بأنه أصبح «معيناً له على تلك الجرائم».

وجاء ذلك في كلمة مرئية جديدة ظهر فيها الظواهري، وصف فيها عناصر «داعش» بأنهم «صاروا أسوأ من الخوارج». وقال: «جماعة إبراهيم البدري، صاروا أسوأ من الخوارج، فلم يكتفوا بتكفير المسلمين والمجاهدين بما ليس بمُكفِّر، بل كفروهم بالافتراء بل وبالأعمال الصالحة، وكفَّروا قيادةَ القاعدة، لأنها تلين القول أحياناً في الدعوة، وزادوا على الخوارج التهربَ من التحاكم للشريعة والكذبَ والافتراءَ ونكثَ العهد، بل اعتبروا «كل من يقاتلهم حتى لو كان ساعياً في تحكيم الشريعة فهو كافر وزوجته زانية، وكأنهم أنبياء يُكفَّر من يقاتلهم».