&عمرو عبد السميع
لم أر فى حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبنانى أبدا ـ رمزا أخلاقيا ومنظومة مواقف مبدأية كما يحاول تصورى نفسه، أو كما يصفه حلفاؤه فى كل مكان، وإنما وجدته رجلا لا يتورع عن ارتكاب أسوأ السقطات وعلى رأسها اشتراكه فى عملية غزو مصر (يناير 2011) واقتحام السجون وهدر السيادة المصرية على الحدود، وقبلها ـ ولعدة مرات ـ كان يتعمد إهانة الجيش المصرى.

اليوم نقف ـ بكثير تأمل ـ أمام خطاب نصرالله الأخير حيث غازل المجموعات المسلحة على أرض العمليات فى سوريا لينفى عنهم صفات الإرهاب والتكفير ويؤكد أنهم ضحية للاستغلال الأمريكي.

مقولة حسن نصرالله اللولبية الجديدة هى بمثابة تجاوب مع التحول فى الديناميكية السياسية بالمنطقة، والتى باتت تركيا فيها رقما مهماً فى المعادلة إلى جوار إيران وروسيا، ولما كانت تركيا هى الراعى الأول للمنظمات المتطرفة المسلحة، سواء بالتدريب أو الإسناد أو تسهيل الدخول عبر خط الحدود مع سوريا، فإن نصرالله أدرك بحسه الانتهازى أن هناك تحولا استراتيجيا على وشك الحدوث فى سوريا، ومن ثم راح يمهد الأجواء له متخليا عن لهجته التقليدية فى (الوعد بالانتصار على الإرهاب التكفيرى). إيران أدركت ومن ورائها حسن نصرالله أن تركيا سوف تغلق الحدود وتضبطها حتى لو اضطرت إلى وضعها تحت رقابة دولية، وأنها لن تسمح بإقامة دولة كردية يسيطر عليها الاتحاد الديمقراطى (وهنا نتفق مع إيران)، ثم عودة اللاجئين فى دول الجوار إلى بلدهم بعد الحل النهائي.

بذلك المعنى فإن تركيا ترفض قيام دولة فى سوريا تستند على أحد المكونات المذهبية أو العرقية، وهو ما يخدم الرغبة الإيرانية ومن خلفها نصرالله فى عدم هندسة دولة سنية خالصة فى سوريا أو كردية فى الشمال السورى وبما يتساوق مع حرص طهران على عدم قيام دولة كردية على يد الاتحاد الكردستانى/إيران فى مها آباد وغيرها من المدن الكردية فى إيران. ولما كانت تركيا ترى فى كل تلك الأحزاب الكردية فى سوريا والعراق وإيران وتركيا امتداداً لصالح عدوها الأول حزب العمال الكردستانى فقد أصبح اتفاقها ـ على ذلك النحو ـ حول مستقبل الأكراد شيئا يريح إيران ومن خلفها نصرالله.