&عبدالله بن بجاد العتيبي&&&

تأتي زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ضمن سياسة المملكة العربية السعودية في الانفتاح على دول العالم وشعوبه، وضمن رؤية السعودية 2030 التي هو عرّابها وقائدها، وها هو يتجه شرقًا هذه المرة حيث الصين واليابان.

استقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ ولي ولي العهد السعودي، وتمّ توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في شتى المجالات، وكان الرئيس الصيني قد أطلق قبل سنواتٍ مشروعه الكبير لإحياء «طريق الحرير»، الذي جعله تحت اسم «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن 21»، وذلك تحت شعار «حزامٌ واحدٌ.. طريقٌ واحدٌ»، وهو مشروع كبير وطموح ومستقبلي، وهو ما يلتقي مع واحد من أكبر ثلاثة مبادئ تحكم رؤية السعودية 2030 وهو «محور ربطٍ بين القارات الثلاث»، أي الاعتماد على أهمية الموقع الجغرافي للسعودية.

أهدى ولي ولي العهد السعودي للرئيس الصيني لوحةً فنيةً من إبداع الفنان السعودي أحمد ماطر حملت اسم «طريق الحرير»، وإهداء هذه اللوحة للرئيس الصيني يمنح بعدًا جديدًا للسياسة السعودية الخارجية، وهو بُعد الفنون والثقافة ودورها في التواصل الحضاري بين الأمم والدول والشعوب، وهو أحد مرتكزات رؤية السعودية 2030، كما أنه إحدى أهم مبادرات برنامج التحول الوطني، حيث العناية بالثقافة والفنون كمكونٍ رئيسي من مكونات الهوية الوطنية ورافد التواصل مع العالم وإبراز الهوية الوطنية السعودية لكل دول العالم وشعوبه، وقد أظهرت الصور احتفاء الرئيس الصيني بهذه الهدية المميزة.

قال ماطر، حسبما نقلته هذه الصحيفة، يوم الجمعة الماضي: «إن فكرة اللوحة كانت لوزير الثقافة والإعلام عادل الطريفي، بتوجيه من الأمير محمد بن سلمان ليكون للفن دورٌ رئيسي في الرحلات الرسمية الدولية».

دولة الصين هي إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي إحدى أهم دول العالم في التحكم بالاقتصاد العالمي، وهي دولة أساسيةٌ من عشرين دولة تضمها مجموعة العشرين أو الـ«جي 20».

وبغض النظر عن تركيبة المؤسسات الدولية من الأمم المتحدة لمجلس الأمن إلى غيرها من المؤسسات الدولية، والحاجة لمراجعة تركيبتها وفاعليتها وتحقيقها للعدالة الدولية، إلا أن الصين تبقى اليوم دولةً مهمةً وأساسيةً في كل تلك المؤسسات. ومن هنا، فإن تقوية العلاقات معها توحي ببعد النظر لأي صانع قرارٍ في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم.

اتخذت الدولة الصينية الحديثة مواقف سياسيةٍ منحازةٍ للاتحاد السوفياتي فيما كان يُعرف بالمعسكر الشرقي في مقابل المعسكر الغربي، ودخلت في مرحلةٍ لاحقةٍ صراعًا مع الاتحاد السوفياتي، واستقبلت الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في زيارته الشهيرة، وحين أراد الاتحاد السوفياتي تطوير نفسه عبر خطة غورباتشوف «البيريسترويكا» انهار الاتحاد السوفياتي، بينما حافظت الصين على انتقالٍ تدريجي حافظ على وحدة الصين وعزز اقتصادها ودورها العالمي.

اختارت روسيا الاتحادية الوارثة للاتحاد السوفياتي أن تسعى جهدها لبسط قوتها ونفوذها حول العالم، واختارت التوقيت المناسب، في عهد إدارة أوباما، بينما اختارت الصين السعي ببطء، ولكن أكيد المفعول، كما يقول المثل الإنجليزي القديم في التأثير على الاقتصاد العالمي، وها هي تتوسع وتصبح مقصدًا حتى للشركات الكبرى في مجال التقنيات الحديثة والإنترنت ووسائل التواصل، وهي توائم ذلك بميزانٍ دقيقٍ.

هناك بعض الخلافات في التوجهات السياسية في المنطقة بين الصين والسعودية، وتحديدًا في موضوع إيران والأزمة السورية، والسياسة لا تعتمد مواقف حديةً، بل تعتمد على التوازن الدائم بين المصالح المعقدة والمتشابكة، ويمكن عبر تعزيز التواصل الاقتصادي والثقافي والسياسي مع الصين شرح سياسة السعودية وتوضيح مدى عدائية إيران لدول المنطقة وللعالم أجمع، مع التأكيد على خياراتها الدائمة بدعم الإرهاب وجماعاته السنية والشيعية، إنْ على شكل تنظيمات أو على شكل ميليشيات.

أمرٌ آخر، وهو أنه، وبعد التقارب الروسي الإيراني الذي باركته الصين، ينبغي على الصين أن تكون أكثر حذرًا، ذلك أن الصواريخ الباليستية التي تملكها إيران قادرةٌ على استهداف الصين، وعاصمتها بكين، في أي لحظة ثورية إسلاموية قد تطرأ على صانع القرار الإيراني، فضلاً عن خطورة مفاعلاتها النووية على الصين.

كانت المحطة الثانية في اليابان، ذات التاريخ العريق، والتجربة الحضارية الحديثة اللافتة، والاقتصاد القوي على المستوى العالمي، وقد قام ولي ولي العهد السعودي بلقاء جميع القيادات للدولة؛ بلقاء الإمبراطور الياباني وولي عهده، وللحكومة بلقاء رئيس الوزراء شينزو آبي وعددٍ من وزرائه، وكذلك بلقاءات متفرقة لعدد من أهم الشركات الكبرى وقيادات القطاع الخاص.

لقد عبرت اليابان عبر عدد من التصريحات لمسؤولين ومستثمرين عن رغبة واضحة في أن تشكون اليابان شريكًا فاعلاً في تحقيق رؤية السعودية 2030، وهي أحد أهم الشركاء الاقتصاديين للسعودية، وحجم التبادل التجاري معها 32 مليار دولار، وهي تستورد 30 في المائة من حاجاتها النفطية من السعودية، وقد شهدت زيارة الأمير محمد بن سلمان توقيع 11 اتفاقية ومذكرة تفاهمٍ في مجالات البتروكيماويات والصناعة والتجارة والطاقة والتنمية والثقافة والإعلام.

بشكلٍ عامٍ، يعتمد اقتصاد الصين اليوم على «الكم» الذي ينشد «النوعية» بينما يعتمد اقتصاد اليابان على «النوعية» التي تنشد «الكم»، ويمكن بناء أطرٍ متعددةٍ لتعاون وتكاملٍ مع كلا النموذجين بما يخدم مستقبل السعودية ومستقبل الصين واليابان، وذلك ضمن المشروع الحاكم لمستقبل السعودية والمتمثل في رؤية السعودية 2030.

يزدهي تاريخ اليابان الحديث بتجربة الإصلاح أو الإحياء «المييجي»، وهي تجربة مهمةٌ في رسم طريق النجاح للدولة اليابانية الحديثة، وفي تضاعيف تلك التجربة تفاصيل مهمةٌ توضح بجلاء أن التغييرات الكبرى في استراتيجيات الدول ومستقبلها تحتاج لجهدٍ وعناء وتتسم بالقدرة على التكيف والمرونة في التطوير، كما تتسم بالشمول والتكامل والقدرة على حشد التأييد وتحمل مشاق التغيير، ولاحقًا حصد النتائج وتحقيق الغايات.

شغل المثقفون العرب عقودًا بمحاولات متعددة لقراءة التجربة اليابانية الفريدة في بناء الدولة الحديثة والاقتصاد الحديث، وقد فشلت غالب تلك القراءات في الوصول إلى نتيجةٍ مقنعةٍ، ذلك أن كثيرًا ممن كتبوا عنها كانوا يتمثلون تجارب القوميين والناصريين والبعثيين دون قدرةٍ حقيقةٍ على نقد هذه المشاريع التي أعادت العديد من الدول العربية إلى الوراء.

أخيرًا، عاد ولي ولي العهد السعودي إلى الصين ممثلاً لبلاده في «قمة العشرين»، التي تقدم فيها السعودية رؤى وتصوراتٍ لتطوير الاقتصاد العالمي.

&

&

&