&وليد أبي مرشد&

بين سيل الأسئلة التي يثيرها قرار إدارة الرئيس أوباما المفاجئ بالعودة من «الانكفاء» إلى «التورط المباشر» - دبلوماسيًا هذه المرة - في النزاع السوري، سؤال لا بد منه عن جدية هذا القرار قبل أبعاده، كونه قد يستتبع التنازل عن «مجد» التسوية السياسية للنزاع (إنْ هي تمت) لروسيا، على اعتبار أنه لم يتبق من ولاية الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض أكثر من أسابيع معدودة.

ربما ضخمت وسائل الإعلام الروسية «النصر» الذي حققه الرئيس فلاديمير بوتين في «جرّ» الرئيس أوباما، مجددًا، إلى النزاع السوري. لكنه، قطعًا، نصر يصب في خانة سعي بوتين الحثيث لفرض روسيا شريكًا ضروريًا في كل القرارات الدولية.

إلا أن نصر الرئيس بوتين يقف عند هذا الحد فحسب، إذ إن التسوية السياسية للنزاع السوري لا بد أن تتضمن شرطًا تعجز روسيا عن تلبيته، أي شرط إعادة بناء ما دمرته الحرب السورية (وآخر الأرقام تشير إلى أن تكلفة إعادة إعمار البنى التحتية السورية لا تقل عن «تريليون» دولار).

باختصار، إذا كان دور روسيا ضروريًا لفرض وقف لإطلاق النار في سوريا، فإن دور الولايات المتحدة أكثر من ضروري للتوصل إلى تسوية نهائية للنزاع السوري.

وهنا ضرورة التساؤل عمن يستفيد أكثر من غيره من دبلوماسية التعاون الأميركي - الروسي في سوريا؟

عام 2012، يوم كان الرئيس أوباما قادرًا على التدخل أحاديًا في سوريا، مسلحًا بموقف دولي واضح من النظام السوري بعد ثبوت استعماله السلاح الكيماوي في غوطة دمشق.. أحجم عن التدخل. فماذا عدا عما بدا لينقلب على موقفه السابق ويقدم على تدخل مباشر قبل أسابيع معدودة من نهاية ولايته الرئاسية في البيت الأبيض؟

قد يكون هذا التساؤل مرتبطًا بتساؤل آخر عن احتمالات نجاح مبادرة الهدنة الأميركية - الروسية التي لا تبدو واعدة على خلفية توسيع الطيران السوري غاراته، لتشمل سبع محافظات وإعلان الرئيس السوري، بشار الأسد، تصميمه «على استعادة كامل الأراضي السورية بصرف النظر عن الظروف الداخلية والخارجية».

بمنظور دبلوماسي، اتخذ الرئيس أوباما قرارًا سياسيًا أخلاقيًا.. وظرفيًا في الوقت نفسه، بقبوله تقاسم المسؤوليات مع بوتين في تسوية النزاع السوري. وغير خافٍ أن تفاهمهما تم على خلفية اتفاقهما على تحديد الخطر المشترك الذي يواجههما من تفاقم الحروب العرقية والمذهبية في سوريا، فيما المطلوب معالجة جوهر النزاع السوري، وتحديد رؤيتهما لسوريا ما بعد الحرب الأهلية.. هذا إذا لم يكن تفاهمهما يتضمن بنودًا سرية لم يكشف عنها بعد. رغم ذلك، فإن ظرفية القرار الأميركي لا يعززها تركيز موسكو وواشنطن على العمل العسكري المشترك فحسب، بل توقيته أيضًا، إذ يأتي في وقت تمر فيه العلاقات الروسية - الأميركية بحالة من التوتر الناجم عن اتهام إدارة أوباما الرئيس الروسي، بوتين، بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية لصالح منافسها دونالد ترامب.

من هنا ضرورة التساؤل حول نية واشنطن شن غارات جوية مشتركة مع روسيا على «كل» فصائل المعارضة، بما فيها الموصوفة بـ«المتطرفة»، في ظل استمرار توقعها فك ارتباط جبهة النصرة - أو بعض فصائلها – عن تنظيم القاعدة (بعد أن غيّرت «علامتها التجارية» من «جبهة النصرة» إلى «جبهة فتح الشام» أو على الأقل إعلان المعارضة المعتدلة وقف تعاونها العسكري مع «جبهة النصرة»).

«ظرفية» التفاهم الروسي - الأميركي أبرزت نقاط ضعفه. فحتى في حال التزام إدارة أوباما الكامل بتنفيذه فإن المدى الزمني لهذا الالتزام لن يتجاوز الأشهر الثلاثة المتبقية من ولاية الرئيس أوباما.

.. ربما كان هذا الاعتبار الدافع الخفي لعودة الرئيس أوباما من موقف «الانكفاء» إلى التعاطي المباشر مع النزاع السوري.

&&

&