لمغرب: فنانون وإعلاميون ومثقفون يسخرون من تبرؤ وزارة الداخلية من مسيرة الدار البيضاء ضد رئيس الحكومة وحزبه «الإسلامي»

&

الطاهر الطويل

وجد مثقفون وإعلاميون وفنانون مغاربة في المسيرة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء أول أمس ضد حزب «العدالة والتنمية»، فرصة للسخرية من طريقة عمل بعض أجهزة الدولة، والتي رأوا أنها قامت بحشد الناس من أجل رفع شعارات هم أنفسهم لا يعرفون دلالاتها، وذلك على بعد بضعة أسابيع من الانتخابات البرلمانية العامة.

وأمام نفي وزارة الداخلية المغربية وحزب الأصالة والمعاصرة المعارض وقوفهما وراء تلك المسيرة التي طالب فيها المشاركون بـ«عدم أسلمة» الدولة والمجتمع، اعتبر الصحافي محمد المساوي في مدونته الافتراضية أن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تكون هي «التماسيح والعفاريت» في استعارة للعبارة التي دأب عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، على استعمالها في تصريحاته وكلماته. وكتب الصحافي المذكور: «وزارة الداخلية تعرف حتى النملة من أين تبول، والآن تزعم انها ليست على علم بهوية منظمي مسيرة الدار البيضاء. إما أن تعلن الداخلية عن منظمي المسيرة، وإلاّ فإنني كمواطن مغربي سأعتبر الأمر مأسسة لـ(التماسيح والعفاريت)، وسأعتبره تزكية لخطاب بنكيران حول الموضوع.»

وفي السياق نفسه، كتب الباحث الأكاديمي المغربي الدكتور عز الدين بونيت: «كمواطنين حسني السيرة والسلوك، يجب علينا أن نصدق وزير الداخلية حين يقول إن وزارته لا علاقة لها بمسيرة الأحد، برغم شهادات مشاركين فيها صرحوا بعفوية لا مجال الشك معها أن «المقدم» (عون سلطة) الفلاني هو الذي رافقهم في الحافلة من دار بوعزة الى الدار البيضاء، وسهر على شؤونهم. طبعا، لماذا سيكذب وزير الداخلية؟ ولماذا سيكذب الوزراء أصلا؟ صدّقنا الوزير، وقبلنا نفيه وتأكيده القاطعين. في هذه الحالة تبدأ مشكلة أخرى أخطر كثيرا من صدق الوزير أو كذبه: التفسير الوحيد للتناقض بين نفي الوزير وشهادة المشارك في المسيرة، هو أن الوزير لا يعرف ما يجري في وزارته. وهذا يعني أن وزارة الداخلية مخترقة بأياد خفية تستطيع أن تستقطب ولاء أعوان الوزير دون علمه! على الوزير أن يختار: إما أن يستمر في إنكار تورط وزارته أو أن يعترف بأن الوزارة مخترقة. وهنا سنكون أمام زلزال حقيقي يجب معه على الوزير أن يستقيل أو يقال. هذا هو المعنى الدقيق لتطبيق المبدأ الدستوري: ربط المسؤولية بالمحاسبة.»

وربط البعض بين مسيرة الدار البيضاء ومظاهرات 30 حزيران/ يونيو في مصر والتي أطاحت بحكم الرئيس السابق محمد مرسي، حيث كتب أحدهم ساخرا: «جميع المسلسلات والأفلام المغربية التي حاول فيها المخرجون المغاربة تقليد المسلسلات المصرية يفشلون فيها فشلا ذريعا. الأعمال الناجحة هي التي تنبع من وجع التراب المغربي.»

وأورد الصحافي أنس مزور في مدونته ما سمعه من بعض المواطنين، حيث كتب: «لم يكن في نيتي أن أصوت على العدالة والتنمية، ولكن بعد ما شاهدته من ممارسات السلطة وفيديوهات المسيرة، سأصوت على هذا الحزب، وإن كنت اختلف مع بنكيران».. جملة ترددت على مسامعي اليوم من أكثر من شخص.. وأتوقع أن يتخذ هذا القرار عدد كبير من المواطنين. مؤسف حين يصبح أساس التصويت هو رد الفعل ضد طيش بعض المسؤولين وليس للاقتناع ببرنامج حزب والثقة في كفاءة مسؤوليه والتزام مناضليه.»

ووصف الناشط الحقوقي والإعلامي نجيب شوقي مسيرة الدار البيضاء بـ «لعب أطفال»، واعتبر أنها «مسيرة مفبركة وموجهة من جهات معلومة لن يوقف مواجهة التدخل في العمل الحزبي وعملية «كنترول» القبلي والبعدي للعملية الانتخابية.» وأضاف أن رفض عبد الإله بنكيران التنازل عن مكتسبات 2011 وتمرده على آلة الضبط المخزني، تسبب في ردود أفعال غير مسبوقة من طرف قوى النكوص السلطوية، التي تحاول إعادة عقارب السياسة لما قبل 20 شباط/ فبراير 2011 (في إشارة إلى الحراك السياسي المغربي) وخلص إلى القول «إن المغاربة سيعبّرون بعد أسابيع عن رفضهم الوصاية المخزنية وسينتصرون للاختيار الديمقراطي.. لم يعد المخزن يرعبهم لكنهم يصبرون على طيشه خوفا على وطنهم.»

وكتب الناقد شرف الدين ماجدولين: «لا يوجد شيء اسمه التحكم، ثمة شيء اسمه الاستبداد، أي تحويل الانتخابات إلى آلية لإنتاج مؤسسات سياسية مناقضة لإرادة الناخبين، يسهل تحويلها لأجهزة شكلية مرتهنة للدولة العميقة، ومن ثم ممارسة الحكم دون تفويض شعبي وما يستتبعه من محاسبة.»

وعلّق الباحث محمد أقديم على بعض الشعارات التي رفعت خلال المسيرة قائلا: «لا لأسلمة المجتمع» ولا لأسلمة الدولة» هذا يفيد بأن المجتمع والدولة المغربيين غير مسلمين، فما الفرق بين حاملي هذه اللافتات وبين تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) وفكرها الذي يكفر المجتمعات والدول…!؟ وإذا لم يكن المجتمع والدولة المغربيان مسلمين، فعلى ماذا يمارس «أمير المؤمنين» إمارته؟ وهل يمكن الحديث عن «أمير للمؤمنين» بدون مؤمنين و بدون مسلمين…!؟

ووصف الصحافي خالد الشاتي مسيرة البيضاء بالعبث، معبرا عن أمله في أن يكون هناك عاقل في الدولة يدعو إلى فتح تحقيق قضائي في هذا الموضوع. وتابع قوله متذمرا: إنها مصيبة وكارثة! إن الذين وراء تنظيم هذه المسيرة يلعبون بالنار ويهددون الوطن. أما الصحافي عبد الله الشرقاوي فقد طالب بإقالة وزير الداخلية ومَن في حكمه وكل من أفتى في شوهة (مهزلة) الدار البيضاء.

وعلقت الأديبة والباحثة الجامعية الدكتورة سعاد الناصر على ما وقع في الدار البيضاء أول أمس بقولها: «وصلت اللعبة السياسية إلى مرحلة الغثيان، استحمار واستبلاد واستعباد من كل الأطراف.. الوطن على جرف نار، اتقوا فتنة تطرق الأبواب، ضحيتها الكل.. الفتنة لا تبقي ولا تذر. « فيما لاحظت الشاعرة ثريا ماجدولين أن الحقيقة الكبرى التي يتوجب الانتباه اليها في الفيديوهات الخاصة بالمسيرة الفاشلة، وبعيدا عن السياسة، هي نسبة الأمية والفقر والاستعداد لفعل أي شيء من أجل البقاء… هنا يكمن الخطر أيها المتنطعون الغافلون.. هنا عش التطرف والإرهاب… اجتثوا أسباب الإرهاب وستنجحون في مسيراتكم المقبلة! ولتكن مسيرة باسم الوطن ومن أجله.» وتوالت الأسئلة التي طرحها الفنان الموسيقي والإعلامي سعيد الإمام في مدونته: «لم أفهم مَن الذي أعطى لنفسه الحق في الزج بالمواطنين في هذه الغوغاء؟ من هي الجهة التي طلبت الترخيص لهذه السابقة؟ وهل أعطت السلطات فعلا الترخيص؟ ولمن؟ الاحتجاج أصلا ضد من؟ هل هو ضد عدو خارجي يهدد أو يرغب في الاعتداء على بلادنا ومقدساتنا؟ «العدالة والتنمية» حزب – نتفق أم نختلف مع بعض توجهاته وسياسته – له تاريخ من النضال وله أخطاء كبقية الأحزاب في العالم، وأعتقد أن خرجات غير مسؤولة وغير مشروعة بهذا الشكل تشكل ضررا كبيرا ببلادنا وتفتح الأبواب نحو المزيد من التشرذم والصدام في الوقت الذي يجاهد قائد البلاد الملك محمد السادس في ربح رهان الرخاء والسلم الاجتماعي في مجتمع يحترم فيه كل واحد الآخر مهما اختلفت الآراء والأفكار.»