&السيد يسين

ليس هناك من شك في الانتقال من المجتمع الصناعي الرأسمالي الذي كانت وحدة التحليل الأساسية فيه هي «السوق» -كما أبرز ذلك بشكل فذ «كارل ﭘولاني» في كتابه «التحول العظيم»- إلى مجتمع المعلومات العالمي يعد أكبر تحول حضاري في القرن الحادي والعشرين، ومجتمع المعلومات العالمي هو نتاج الثورة المعلوماتية التي تتمثل أولاً في البث الفضائي التليفزيوني الذي حول العالم فعلاً إلى قرية صغيرة، بالإضافة إلى الثورة الكبرى التي تمثلت في اختراع شبكة الإنترنت، والتي أصبحت وسيلة الاتصال الأساسية بين البشر على كل الأصعدة، ومجتمع المعلومات العالمي وحدة التحليل الأساسية فيه هي الفضاء المعلوماتي Cyber space.

ونستطيع أن نؤكد أن الإعلام الجديد قد غيّر وجه الحضارة الإنسانية، لأنه أضاف إليها أدوات فعالة جعلت الاتصال بين المؤسسات على مستوى العالم وبين البشر -بغض النظر عن تعدد ثقافاتهم- مسألة ميسورة، ولذلك كله لم يكن غريباً أن يخصص المسح الاجتماعي للمجتمع المصري في مرحلته الثانية (1980 -2010) الذي أصدر كتبه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في القاهرة مجلداً خاصاً بالإعلام أشرفت عليه وحررته الدكتورة «سلوى العامري»، وشاركت فيه بأبحاثها مجموعة متميزة من الخبراء هم الدكاترة «أماني السيد» «ومها عبد المجيد» و«رانيا أحمد» و«هبة جمال الدين» و«رحمة محمود» و«هند نبيل» و«عماد شلبي» و«وليد رشاد». والمجلد مقسم إلى اثني عشر فصلاً تتناول عديداً من الموضوعات هي تشريعات الصحافة والإعلام في مصر، وتطور الصحافة في مصر، والصحافة المتخصصة والمجلات العامة، وصحافة الإنترنت في مصر، وتطور الإذاعة المصرية والإذاعات المتخصصة، والتليفزيون في مصر: القنوات المركزية والإقليمية والقنوات الفضائية الحكومية العامة والمتخصصة، والقنوات المصرية الخاصة، وإشكاليات الملكية والتمويل والإعلان، والإنترنت كإعلام بديل رصد بمنهجية «التحليل الثانوي»، وأخيراً الكليات والأقسام والمعاهد التي تدرس الإعلام في مصر، ومعنى ذلك أن هذا المجلد في الواقع يقدم مسحاً لمشكلات الإعلام في عالمنا الذي تغيرت ملامحه تغيرات أساسية بحكم الثورة المعلوماتية.

ونظراً لضيق المساحة سنقنع بعرض بحثين هما صحافة الإنترنت في مصر الذي كتبته الدكتور «مها عبد الحميد»، و«الإنترنت كإعلام بديل رصد بمنهجية التحليل الثانوي» الذي كتبه الدكتور «وليد رشاد».

ويمكن القول بغير مبالغة إن ظهور صحافة الإنترنت، يعد أبرز التطورات التي حدثت في مجال الصحافة طوال تاريخها، لأنها تعد في الواقع نقلة كيفية في مجال الاتصال بين الصحفيين والقراء.

وتلخص الدكتور «مها عبد الحميد» التطورات الكبرى في مجال الصحافة بقولها «... هدت التسعينيات تزايد اتجاه المؤسسات الصحفية إلى توظيف تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في جمع الأخبار وفي مراحل تصنيف المعلومات وتجزئتها كافة ومعالجتها، وتصميم طرق عرضها، وفي نشر المضمون الصحفي وتوزيعه، وهي أهم مرحلة شهدت تغيراً جذرياً منذ ظهور «الإنترنت» و«الويب» في التسعينيات حيث تحول نشر المضمون الصحفي من الأشكال التقليدية إلى النشر الإلكتروني التفاعلي عبر الشبكة العربية.

والباحثة تتعقب نشأة صحافة الإنترنت في مصر، ونتحدث عن النشأة ومراحل التطور وبداية صحافة الإنترنت في مصر، ثم ما تلبث أن تحدد أسباب اتجاه الصحف المصرية للنشر الإلكتروني على شبكة الويب وتوجزها في ثلاثة أسباب رئيسية وهي «التوجه للجيل الجديد من القراء الشباب الذين تنخفض معدلات قراءتهم للصحف الورقية مقابل تزايد استخدامهم لشبكة الإنترنت وما عليها من تطبيقات مختلفة، وتحديد نطاق انتشار الصحف المطبوعة خلال إتاحة نسخ إلكترونية منها عبر شبكة الإنترنت ومعالجة القصور في توزيع الصحف الورقية في بعض المناطق.

بتوفير الجريدة لأكبر عدد من القراء خاصة الموجود منهم بعيداً عن الوطن ومعنى ذلك بيع الجريدة دون التقيد بإجراءات الشحن والنقل والتوزيع، وأخيراً الاستفادة من تقنيات العصر الحديث ومحاولة تحقيق تقدم في مجال النشر الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت، ويمكن القول إن التقدم الحقيقي في مجال صحافة الإنترنت هو تقديم مواقع تقدم محتوى صحفياً معد خصيصاً للنشر على الإنترنت.

وتختم الباحثة دراستها بفقرة مهمة عن «صحافة الإنترنت في مصر: الآفاق والتحديات». وهي تلخص هذه التحديات في أمرين هما تحديات تكنولوجية تتمثل في ضعف البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والإنترنت على مستوى بعض المناطق في عديد من محافظات الجمهورية، كما أن هناك تحديات مهنية تتمثل في عدم توافر أعداد كافية من الصحفيين والإعلاميين المؤهلين على نحو مناسب لممارسة صحافة الإنترنت.

أما الدراسة الثانية اللافتة للنظر فهي التي كتبها الدكتور «وليد رشاد» وموضوع بحثه «الإنترنت كإعلام بديل»، وهو يدرس «فيسبوك» ودخول الإنترنت المجال العام، والذي أصبح مساحة مفتوحة للنشطاء السياسيين المعارضين للأنظمة السياسية العربية.