سمير عطا الله

كان اسمه غايوس يوليوس سيزر. وكان أقوى وأعظم قيصر في تاريخ الإمبراطورية الرومانية. هو الذي صّد عنها البرابرة، والألمان، وهو الذي ضم إليها فرنسا وبريطانيا. وهو الذي انتصر على الهلفيتيين أو سويسرّيي هذه الأيام. وهو الذي ضم مصر عن طريق ملكتها كليوباترا وتلك العلاقة الدرامية بينهما.

وكان كلما تقدم في بلد جديد بعث إلى شعبه برسالة مقتضبة من ثلاث كلمات: «جئت، فرأيت، فانتصرت». وبعدما انتهى من انتصارات الخارج اتجه إلى الداخل يطّوع الجنرالات المتمردين والانفصاليين. وأغدق على الرومان من انتصاراته محاصيل القمح والحبوب. وأقام لهم المهرجانات المسلية. وعندما رأى نفسه أقوى رجل في العالم، قرر أن يصبح ملكا على الإمبراطورية الرومانية. غير أن أقرب الناس إليه كانوا أكثرهم حسًدا منه.

وهكذا، تآمروا على قتله. وخلال اجتماع في مجلس الشيوخ، أحاطوا به وراحوا يطعنونه بخناجرهم. حاول القيصر الناحل والمعتل الصحة، المقاومة، ولما شعر بأن نهايته وشيكة، التفت إلى بروتوس، أقرب الناس إليه، وقال له تلك الجملة الشهيرة: «وأنت أيًضا يا بني بروتوس».

كان ذلك في عام 44 قبل الميلاد. وقد حل في الحكم مكانه سيزر أوكتافيانوس أغسطس، الذي انتصر بدوره على الجنرالات المتمردين، وأصبح أول إمبراطور روماني. كّرم الرومان القيصر يوليس يوليوس بتسمية شهر.

وكرموا أغسطس بإطلاق اسمه على الشهر التالي. وقد تعلم أغسطس من يوليو واندفاعه، الحكمة الكبرى في ضبط النفس. وُيقال إنه لمُيصدر أي أمر وهو في حالة غضب. وكان إذا شعر بالتوّتر، قرأ الألف باء بصوٍت عالٍ إلى أن يهدأ. وعاش حياة ملؤها البساطة مقدًرا، بصورة خاصة، عبقريات وجمالات الإغريق. 

لذلك، نقل كتبهم ومنحوتاتهم وحفظها بالقصور وفي الحدائق. وكان الشعراء في عصره أعظم شعراء روما على الإطلاق، لأنهم اتخذوا الشعر الإغريقي مثالاً لهم. وكان النبلاء الرومان يعتبرون أن الإغريقية هي لغة المجالس والقصور، ولذلك، مضوا يقرأون الشعر اليوناني القديم ويجمعون التحف الفنية اليونانية. وقد كان ذلك من حسن حظ الحضارة الغربية. فلولاهم لماُحفظت الحضارة الإغريقية التي ساهم العرب أيًضا في نقلها إلى العالم، في ذلك العصر الذي حمل في صورة خاصة، اسم الخليفة المأمون. لكن العرب في عهده، ما لبثت أن التهت بحروبها، وما زال الانتقال من فتنة إلى فتنة، اللعنة اللاصقة.