&أحمد يوسف أحمد

عقد مركز البحوث والدراسات السياسية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة مؤتمره الدولي الأول خلال الأيام من الرابع والعشرين إلى السادس والعشرين من الشهر الجاري في موضوع «أزمات اللجوء والهجرة وتحديات الدولة القومية في الوطن العربي وأوروبا» بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي. وقد ناقش المؤتمر طيفاً واسعاً من الموضوعات شمل قضايا الهجرة واللجوء في الوطن العربي وأفريقيا والفضاء الأورومتوسطي والأبعاد المختلفة لهذه القضايا قانونياً وثقافياً وإعلامياً وتربوياً ودور مؤسسات المجتمع المدني والسياسات الأوروبية وكذلك دور المنظمات الإقليمية والدولية تجاه هذه القضايا. وقد ألقت البحوث والمناقشات التي قدمت في المؤتمر المزيد من الضوء على الأبعاد المعروفة للقضية فزادتها عمقاً كما كشفت عن جوانب غير شائعة في تناول القضية، وعلى سبيل المثال فقد أضافت الباحثة اللبنانية الدكتورة غادة صبيح إلى معرفتنا الكثير بشأن الأوضاع التربوية للاجئين السوريين في لبنان بسبب أعدادهم الهائلة بالنسبة إلى عدد سكانه إذ باتت هذه النسبة لا تقل عن ثلث عدد السكان. ولذلك وعلى رغم أن السلطات اللبنانية تسمح لهم بالالتحاق بالمدارس الحكومية فإن هذه المدارس غير قادرة على استيعابهم، ومن هنا ظهرت مشكلة «المدارس السورية» التي يلتحق بها أطفال اللاجئين ويقوم بالتدريس فيها مدرسون سوريون وتدرس المناهج السورية غير أن شهاداتها غير معترف بها من السلطات هناك! والعجيب أن الباحثة قد ذكرت أن الجهة الوحيدة التي تعترف بهذه المدارس هي السلطات التركية وهو أمر يحتاج إمعاناً للنظر. كما لفت الباحث اليمني مجاهد الشعبي إلى مشكلة اللاجئين اليمنيين في جيبوتي والصومال حيث تسيء السلطات في الأولى معاملتهم عكس الثانية، وهو ما يستحق التقدير للشعب الصومالي الذي يتعاطف مع معاناة اليمنيين الإنسانية على رغم ظروفه الصعبة، ولعل ذلك يشير إلى عمق الروابط بين الشعبين، وقد سبق لليمن أن فتح أبوابه واسعة للصوماليين إبان اشتداد ضراوة الحرب الأهلية في الصومال منذ العقد الأخير من القرن العشرين.

وقد أوضحت بحوث المؤتمر بحق المأساة الهائلة للاجئين منذ اللحظة التي تبدأ فيها رحلة اللجوء الذي يعصف بكيان اللاجئ إذ يفصله عن وطنه، وقد يفقد حياته في هذه الرحلة، فإن أتمها بسلام بدأت رحلة المعاناة من شظف العيش وسوء المعاملة وفقدان الأمان وغياب الخدمات الأساسية وعلى رأسها التعليم والصحة. وقد أعربتُ في مناقشات المؤتمر عن رأيي في ضرورة أن تكون هذه الأبعاد الإنسانية هي بؤرة تفكيرنا من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية لهؤلاء اللاجئين، وحمدت لمنظمي المؤتمر أنهم لم يعكروا صفوه بجلسات تتباحث في الحلول السياسية للصراعات المحتدمة التي تعد السبب الأساسي في محنة اللجوء، ذلك أن جنون السياسة وبعض الساسة كفيل للأسف باستمرار المحنة لسنوات لا يدري سوى الله سبحانه وتعالى وحده كم تدوم. ولَفَتُّ انتباه الحاضرين في هذا السياق إلى أن محنة اللاجئين الفلسطينيين التي تجاوزت ثلثي القرن عمراً غائبة عن المؤتمر، وذكرت أن هذا يخيفني إذ أتخيل أن تذوي بمرور الزمن المحنة الراهنة التي نتصور الآن أنها لا يمكن أن تستمر ونتحدث بثقة عن تسوية الصراعات وحلها وعودة اللاجئين ومشكلات ما بعد العودة، فهل يأتي علينا حين من الدهر تصبح فيه هذه المشكلة من الثوابت التي نتعايش معها في هدوء تام كما نفعل الآن مع قضية اللاجئين الفلسطينيين؟ ولهذا السبب -أي لضرورة التركيز على الأبعاد الإنسانية لأزمة اللاجئين- انتقدتُ الورقة اليمنية لأنها كانت مسيَّسة تماماً تتحدث عن محنة اللاجئين اليمنيين باعتبارها فقط نتيجة «تدخل خارجي»، وقلت تحديداً إن من سيتحدث عن تدخل خارجي سيُرد عليه بحديث عن «انقلاب داخلي»، وهكذا تضيع قضية اللاجئين وضرورة إغاثتهم وتوفير ظروف العيش الكريم لهم، وكفى السياسة أن تكون سبباً في حدوث المحنة وتفاقمها فلا تجعلوها بالإضافة إلى ذلك عائقاً يسد الطريق إلى الحلول الإنسانية لها.