علي الصراف

 لماذا يجب طرد إيران من منظمة التعاون الإسلامي، وغيرها من سياقات التعاون الإقليمي، بل والمنظمات الدولية أيضاً؟

لأنها، بكل بساطة، منظمة إرهاب. حتى أنه لا يوجد منطق وراء النظر إليها كدولة، لأنها، بكل بساطة أيضا، ليست دولة. إنها «دولة- منظمة» ذات طبيعة لا تنسجم مع طبيعة أي دولة يعرفها العالم.

الأمر لا يتعلق بكونها «دولة دينية»، لأنها ليست كذلك. ولكن لأنها كيان مماثل في طبيعته تماما للكيان الذي يمثله تنظيم «داعش».

انظر في الطبيعة الأيديولوجية العريضة لكلا هذين الكيانين وستجد من التشابهات ما يجعلهما كيانين من طبيعة واحدة. «دولة الخلافة» الداعشية لا تقف على مسافة بعيدة منهجياً عن «دولة الولي الفقيه». كلاهما لا يعترف بحدود الدول. وكلاهما يريد أن يتمدد. وكلاهما لا يعترف بالنظام الدولي القائم. وكلاهما يعيش على وهم تمثيل «الإرادة الإلهية» وينتظر الخرافة. وكلاهما يمارس التكفير. وكلاهما يعتمد وسائل في غاية الوحشية حيال مَنْ لا يتفق مع رؤيته. وكلاهما يتصرف على أنه يجسد «الحق المطلق». ومثلما أن الولي اللافقيه هو «نائب صاحب الزمان» (حسب المنظور السفسطائي السمج)، فإن المنظور نفسه هو الذي يجعل «الخليفة» البغدادي هو المتحدث الرسمي باسم يوم القيامة.

وليست التماثلات وحدها هي التي تجعل من هذين الكيانين جسدا واحدا، بل حتى «الاختلافات» نفسها تؤكد وحدتهما. فالطابع المذهبي، على اختلافه، واحد. والنباح الأيديولوجي، على تصارعه، واحد. والمشروع الطائفي بينهما، على اختلافه، واحد أيضاً.

ومثلما أن إيران «دولة» مشروع طائفي مكشوف ومعلن، فإن «دولة» داعش هي دولة مشروع طائفي مكشوف ومعلن.

وليس عجيباً على الإطلاق أن أحدهما كان هو الرحم الذي ولد منه الآخر. فالمشروع الطائفي الذي نهضت به إيران في العراق، كان هو الذي استنهض المشروع الطائفي المضاد. وكلاهما كان عنيفا وشرسا وظلاّما للناس. والأول فيهما كان من القبح والسفالة والانحطاط، ما سعى الآخر أن يجاريه بقبحه وسفالته وانحطاطه.

والمشروع الطائفي هو الإرهاب.

أولا، لأنه مشروع حرب أهلية تستعر لا بين الطائفة والأخرى فحسب، بل وبين الجار والجار أيضا.

وثانيا، لأنه مشروع لتبديد وتمزيق الكيانات الوطنية القائمة.

وثالثا، لأنه لا يعترف بهوية هذه الكيانات الوطنية، ولا بحقها في الوجود أصلا.

ورابعا، لأنه مشروع لإعادة النظر في «الهويات»، لكي يتاح لكل منها أن تكفّر الهوية الأخرى.

وخامسا، لأنه مشروع لإنتاج «دول فاشلة» كليا، تعمها الفوضى والصراعات.

وسادسا، لأنه مشروع خراب اقتصادي شامل. (وهو ما تعيشه إيران، مثلما تعيشه سوريا والعراق على حد سواء).

وسابعا، لأنه مشروع لتغييب الإنسان، لصالح سفسطائيات، لا خدمة فيها لدين الله ولا للإنسان، ولكنها تضمن تخلفه وفقره وهمجيته بجعل الجهل والخرافة «علما» مزعوما.

فإذا كان لا يجوز قبول عضوية تنظيم داعش في منظمة التعاون الإسلامي، ولا في أي منظمة إقليمية أو دولية أخرى، فبالله كيف يجوز قبول عضوية إيران؟

وبالله، ما هو «التعاون» في «التناحر» الداخلي الذي تخلقه إيران لتمزق به صفوف المسلمين وتجعلهم أعداء لبعضهم البعض؟

وبالله، ما هو «التعاون» في الحرب التي تشنها بالمدافع والصواريخ والطائرات ضد ملايين المسلمين لتدفعهم الى الفرار من أوطانهم، حتى هدمت مدنا بأسرها، بأبشع ما يمكن للهدم أن يكون؟.

طرد إيران من هذه المنظمات لا يشكل تطويقا ضروريا للمشروع الطائفي فحسب، ولكنه واحد من أهم أدوات الرفض الجماعي لما تعنيه النتائج التي انتهت اليها كل البلدان التي امتد اليها هذا المشروع.

إنه أيضاً، وسيلة لجعل أول الضحايا، وهم الإيرانيون أنفسهم، أكثر قدرة على إعادة النظر في حال دولتهم الغابرة. وهي دولة، كان من شرف التاريخ أنها انتجت حضارة عريقة قبل أن تلتهمها الخرافات على يد إسماعيل الصفوي، قبل لا أكثر من 500 عام.

لا عداء لإيران. بالعكس تماما. إنها جارٌ وقد جار عليه الزمان، ويتعين هزّه لكي يصحو من غفوة الفشل والعدوان والطغيان.