علي سعد الموسى

سأكتب اليوم عن ظاهرة المراجعة، ومن ثم تبدل المواقف بتغيير الرأي في ذات الفتوى التي نسمعها أو نقرؤها من بعض الأقطاب مع تقادم العمر وتغير الزمن. هي مسألة في غاية الأهمية لأنها تحبس حركة المجتمع الطبيعية وتجعله أسيراً لقضاياه حتى (يفتح) الله على فضيلة الشيخ وينزل عليه الإلهام الجديد ثم يرى جوانب ذات المسألة على غير ما رآها فضيلته من قبل. خذ هذين المثالين: في تسجيل سابق، يقول فضيلة الشيخ الدكتور، محمد العريفي، إنه لا يرى أبداً أن تنظيم القاعدة يلجأ للتكفير المطلق في العموم، مضيفاً أنه يعرف هذا المنهج للتنظيم جيداً من خلال بعض لقاءاته في المناصحة مع بعض أفراد التنظيم، وأن هذا هو "منهج الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله"، كما قال الشيخ الدكتور ما بين الأقواس بالضبط. ثم مضى الزمن حتى وصلنا معه إلى رأي معاكس وفي مقطع جديد يقول فيه: بعد ما اتضح لي ومن خلال القراءة في أفكار هذا التنظيم وجدته يلجأ للتكفير بلا ضوابط، ولهذا أتراجع عما قلت عنه من قبل. وبالطبع ففي أعقد القضايا وأخطرها على الإسلام وأهله ما هو ذنب هذه المجتمعات كي تقف أسيرة لفتوى من علم مرموق له أتباع بالملايين وكأن على هذه المجتمعات المسلمة الانتظار حتى يقرأ صاحب الفضيلة ويجتهد في البحث وتكتمل له أركان المسألة. ماذا كان سيحدث لو أنه لم يقرأ ويبحث أو لم يجد الوقت والمادة العلمية؟
في المثال الثاني، يظهر فضيلة الشيخ الدكتور سعد الدريهم في برنامج المواجهة ليقول بالحرف: (كان لي قناعات وموقف معارض من قيادة المرأة للسيارة ولكنني غيرتها الآن وصار لي موقف آخر ذاك أن قيادة السيارة كالدابة في العصور السابقة، وأن إشكالية قيادة المرأة للسيارة بيد ولي الأمر ولا يوجد مانع شرعي، وسأكون من المبادرين في الحي بشراء سيارة للأسرة إذا صدر الأمر من ولي الأمر...). ومن جديد ما هو ذنب المجتمع يا فضيلة الشيخ الدكتور إذا استغرقت ذات القضية منكم كل هذا الوقت والزمن لتعرف أن السيارة اليوم لا تختلف عن الدابة في العصور السابقة. والمراجعة وتغيير الرأي لا إشكال بهما. المشكلة الكبرى تكمن في الإقدام على رأي أو فتوى قبل أن تكتمل الصورة ويتضح الأمر، ولهذا لا أقبل التبرير من علمين كبيرين وأستاذين بالجامعة يفترض فيهما التروي حتى الانتهاء من طرائق البحث العلمي للمسألة. سيتراجع غداً من أفتى بدياثة كل ولي أمر تدرس ابنته الطب أو تبتعث لجامعة في الخارج، ولكن بعد أن قذف أعراض جمهور واسع من فوق المنبر. كل هذه التحولات لا تضر إلا بمصداقية الفتوى وثباتها أمام المتلقي، وهذا أخطر ما في الظاهرة.