سمير عطا الله

 الصحافة فنّ من فنون الكتابة. ومع الزمن، تفرَّعت لها مدارس. ومرَّ بها الألوف من المهنيين من غير أثر، أو بالقليل منه، أما «المعلِّمون» فارتقوا بها وطوروا في أبوابها وأساليبها، وجعلوا منها طقساً يومياً من طقوس الحياة.

غابت ليليان روس عن 99 عاماً في نيويورك، بعدما أنشأت إحدى أهم المدارس الصحافية في مجلة «نيويوركر». «الفايننشال تايمس» ترى أن روس لم تغيّر في أسلوب التغطية الصحافية فحسب، بل في كتابة النشر برمّته. بمعنى أن الأدباء أيضا تأثروا بأسلوبها. ومبكراً في حياتها المهنية أصبح اسمها في أهمية الموضوع الذي تكتب عنه، كما حدث في الخمسينات يوم قامت بتغطية زيارة نادرة قام بها إرنست همنغواي إلى نيويورك، فجعلت من التغطية تحفة أدبية مثل تحف همنغواي بنفسه.
ظلت روس تكتب حتى أيامها الأخيرة، وظلت «تحكي» أيضا. فقد كانت محدثة مبهجة مليئة بالذكريات والمفرحات وطلاقة التعبير الجميل. وفي العام 2001 سألتها «نيويوركر» عن السر الأهم في العمل الصحافي، فكان هذا الجواب: «إياك أن تقحم نفسك في موضوعك. فليكن اهتمامك فقط في الموضوع الذي تكتب عنه، وليس في نفسك. أصغ جيداً بأذنيك، ولا تترك الأمر لآلة التسجيل. كن دقيقاً، صادقاً، ومسؤولاً. لا تستغل موقعك كصحافي لكي تبث الصغارة والمرارة والحسد والمحاباة. إذا كان لديك ما تقوله حول هذا العالم وهذه الحياة، حاول ألا تضعه في شكل خطاب».
في نعيها قال رئيس تحرير «نيويوركر» ديفيد رمنيك، إنها «كانت رائدة كامرأة وكمجددة في كتابة الإنجليزية». وفي ستينات القرن الماضي، كانت ألمع اسم في «الصحافة الجديدة»، وهو عقد التجديد في جميع الفنون، السينما والغناء والرواية والمسرح، وحتى فن الطهي.
لا أدري تماماً ماذا يقابل ذلك في الصحافة العربية. ربما كان محمد التابعي هو أستاذ الصحافة الحديثة والمعلم الأول. وتبعه صف من المجددين، علي ومصطفى أمين، ومحمد حسنين هيكل، وأحمد بهاء الدين، وأنيس منصور. ومعظمهم تأثر أيضا بالكاتب الصحافي الأميركي والتر ليبمان. ليس فقط في أسلوبه، بل أيضاً في محاولة القرب من السلطة، والتمتع بلذة النطق باسمها، أو الإيحاء لها بالأفكار والمقترحات. انضمت روس إلى «نيويوركر» العام 1945 قادمة إليها من مجلة يسارية مجهولة، فكتبت وحكت سحابة القرن، كمثل شهرزاد.