محمـد أبــوالفضـــل

العمليات الإرهابية المسعورة التى شهدتها سيناء الأيام الماضية، تؤكد أن أصحابها ومن وقفوا خلفهم فقدوا البوصلة تماما، بعد تضييق الخناق الأمنى والسياسى حولهم، ونجاح مصر فى تحقيق نجاحات لافتة على المستويين الداخلى والإقليمي. 

الخسائر التى تكبدها الإرهابيون جراء العمليات كبيرة ونوعية ومؤثرة، ولها تداعيات سلبية على قدراتهم المادية والمعنوية، ما يؤكد يقظة وجاهزية قوات الأمن فى التعامل السريع مع أى مفاجآت، وإصابة التنظيمات التكفيرية بمزيد من الإحباط الذى اضطرهم إلى زيادة نسبة الإجرام وممارسة العنف بصور عشوائية، للإيحاء بأن معينهم المسلح لن ينضب ويملكون نفسا طويلا لتخريب التحركات الإيجابية التى تقوم بها الدولة المصرية، وهى الرسالة التى وضعها الإرهابيون نصب أعينهم، وتظهر معالمها وتجلياتها مع كل إنجاز سياسى وأمنى واقتصادي. 

التفاهمات التى توصلت لها مصر مع حماس الفلسطينية، وفرضت على الحركة الانخراط فى تعاون وتنسيق على الحدود، أسهمت بدور مهم فى سد كثير من الثغرات التى يتسلل منها الإرهابيون إلى سيناء، وجعلت من حماس شريكا معلوما فى مواجهة العنف، وأى تقاعس فى أداء دورها الأمنى سوف تكون له انعكاسات قاتمة، ما دفعها إلى إعلان الاستعداد لمحاربة متطرفى غزة وعدم الإضرار بالأمن القومى المصري. 

الخطاب المعلن الذى تتبناه الحركة يتسم بقدر من المرونة، ويسير عكس التوجهات السابقة، وينطوى على تخلٍّ عن جملة من التصورات والممارسات التى عكرت علاقات حماس وكثير من القوى الإقليمية، ويصب فى مصلحة الرغبة فى محاربة المتشددين. 

إذا أوفت حماس بالتعهدات فى هذا الفضاء ودخلت مواجهة صريحة ومفتوحة معهم وبلا مواربة، سيكون لها مكان لائق فى المعادلة التى يتم التفكير فيها لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة بشكل يدخل الشرق الأوسط دائرة الأمن والاستقرار. 

ويبدو أن التكفيريين أرادوا بجرائمهم الأخيرة توصيل رسالة مزدوجة، الأولى تشى بأن حماس لن تستطيع كبح جماحهم وعدم السيطرة عليهم من جهة قطاع غزة، ولديهم قدرات كبيرة تمكنهم من تجاوز الإجراءات الأمنية والإفلات من المصيدة الجغرافية، وأن مخزونهم التسليحى سوف يساعدهم على استمرار العمليات الإرهابية. 

الثانية تتعلق بتكريس التقديرات التى ذهبت إلى أن كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكرى لحماس) غير راضية عن أداء المستوى السياسى للحركة، وبالتالى زيادة هواجس بعض الدوائر المصرية واهتزاز الثقة فى حماس، والتمهيد لفتنة تؤدى إلى فجوة كبيرة بين المستوى السياسى ونظيره العسكري، يستفيد منها المتطرفون، وقد تعكر صفو الترتيبات الجارية لتأسيس شراكة متينة للعلاقة بين الحركة وكل من مصر والقوى الوطنية الفلسطينية. اتفاق المصالحة الذى وقعته حركتا فتح وحماس فى القاهرة الخميس الماضي، مثل نقلة كبيرة فى آليات التعاطى المصرى مع القضية الفلسطينية، وضاعف من الزخم المتوقع خلال الفترة المقبلة، على صعيد إعادة اللحمة الوطنية فى الأراضى المحتلة، ومنح عملية التسوية السياسية دفعة للأمام، ونزع واحدة من الأوراق المهمة التى تتذرع بها إسرائيل للتنصل من عملية السلام، لذلك أراد الإرهابيون صرف انتباه مصر عن القضية المحورية، ومحاولة الضغط عليها وتشتيت جهودها كى تعود للانكفاء وتتخلى عن فكرة الدور والقيادة والريادة. 

الإرهابيون ومن يقفون معهم فى نفس الخندق، بالدعم والتمويل والتأييد والتحريض، انتابهم شعور بالقلق عندما تصاعد الدور المصرى فى الأزمة السورية، ففى اليوم الذى جرى فيه توقيع وثيقة جديدة تضع نواة للمصالحة الفلسطينية، رعت القاهرة اتفاق هدنة ثالثا فى سوريا، شمل أطرافا إسلامية متنوعة، يخص هذه المرة جنوب دمشق، وهى إشارة على التمسك بوحدة الأراضى السورية، يضاف إلى اتفاقى الغوطة الشرقية وشمال شرقى حلب السابقين، اللذين دشنا دور مصر فى أزمة غاية فى التشابك الإقليمى والدولي. 

الأمر الذى يؤكد أن مصر تسير على وتيرة إقليمية جيدة، وبدأت استعادة عافيتها والإمساك بزمام قضايا كانت بعيدة عنها الأعوام الماضية، ولم يكن يتوقع خصومها أن تقترب منها ذات يوم، بعد أن قاموا بالتشويش عليها سياسيا وإعلاميا، وإيجاد بؤر إرهابية قريبة منها، فى ليبيا وغزة مثلا، لتشغلها عن مد بصرها إقليميا، ناهيك عن العمليات الإرهابية التى كانت لها روافد اقتصادية، مثل تفجير الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء، وتفجير الطائرة الفرنسية فوق البحر المتوسط. 

النتيجة التى وصلت إليها السياسة الخارجية، بدعم مكثف من جهاز المخابرات العامة، أفضت إلى توسيع نطاق دور مصر فى المنطقة، وهو ما أغضب الخصوم التقليديين الذين لديهم علاقات وثيقة بإرهابيى سيناء وغيرها، وأُجبروا على زيادة العنف والعمليات الإرهابية، للتأثير على النجاحات الأخيرة، أملا فى تصوير الموقف على أنه «تقدم مؤقت» سوف يصطدم بمشكلات معقدة فى الداخل. 

التصدى للإرهابيين بحسم، خيب ظن أوساط عديدة اتخذت من العنف وسيلة لإخماد التطلعات المصرية، وأكد أن مؤسسات الدولة قوية وأجهزتها الأمنية قادرة على دحر جميع المحاولات التى ترمى للنيل منها. ورب ضارة نافعة، كما يقولون، فقد أثبتت عمليات سيناء أن مصر تتقدم على خطوط متوازية، ففى الوقت الذى أحرزت فيه نجاحا على المستوى الخارجي، لم تهمل البعد الداخلي، أو العكس، والمقاربات الأمنية والسياسية التى تمت صياغتها، اصطحبت معها تقدما اقتصاديا ملموسا فى بناء العاصمة الإدراية الجديدة والإصرار على استكمالها كواجهة حضارية وعنوان للإرادة والتصميم والتحدي. 

الصدمة التى أصابت الإرهاب وذيوله المختلفة، لن تجعل عناصره تنكفئ على نفسها أو تستسلم بسهولة، بل ربما تزيدهم عشوائية وسعارا، فهذه معركتهم الأخيرة والخسارة النهائية المنتظرة فيها تعنى خروج الجهات التى تقف خلفهم بلا وفاض، ما يجبرهم على قبول التوازنات الجديدة التى شرعت مصر فى بنائها مع الحلفاء والأصدقاء فى المنطقة. 

الرسالة الخاطئة للإرهابيين أنهم لم يستوعبوا دروس الماضى والحاضر ويصممون على دخول المستقبل، لكن القيادة السياسية والعسكرية والمواطنين على درجة عالية من التماسك فى مواجهة المنحرفين.