عبدالله العوضي

منذ الحرب العراقية - الإيرانية، والحديث متواصل إلى الآن، حول مدى حاجة العالم إلى حرب عالمية ثالثة من أجل إعادة الأمن والسلام والاستقرار كما حدث في الحربين العالميتين.

وهذا الأمر يراوح مكانه منذ أكثر من ثلاثة عقود من الحروب المتفرقة والمتواصلة حتى يومنا هذا، ففي العالم الغربي حرب البوسنة والهرسك التي قادتها الولايات المتحدة، حتى ساعة إعلان استقلال هذه الدولة عما كان يحاك لها من الإبادة.


ولم يهدأ أوار أو توضع أوزار تلك الحرب حتى اشتعلت حرب الخليج الثانية، بعد الأولى العراقية الإيرانية، لاستعادة الكويت من براثن الغزو العراقي الأثيم، أيضاً بقيادة أميركا بعد أن عجزت الجامعة العربية عن لمِّ شمل القوات العربية لتحرير الكويت، فلم يكن من بد سوى عن طريق «الفزعة» الأميركية في عهد بوش الأب الذي أعلن أن الثمن في استمرار تدفق نفط الكويت والمنطقة وليس من أجل عيونها بالطبع.

وعادت الكويت إلى أهلها ووضعها الطبيعي، ولم يمر أكثر من عقد حتى غزت أميركا العراق في عام 2003 تحت ذريعة السلاح الكيماوي الذي بطل مفعوله بالكذب، وكانت النتيجة عراقاً بلا جيش قوي، وقد كان ترتيبه مباشرة بعد الجيش اليوغسلافي قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، وهو الذي كان يفتخر به صدام لحراسة البوابة الشرقية للخليج.

وبعد قرابة عقد آخر دخل «الربيع العربي» حرباً أهلية داخلية ابتداء من تونس في العام 2011، وانتهاء بالتحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن، حيث انطلقت حرب حقيقية عربية باسم «عاصفة الحزم» في 26-3-2015، دخلت عامها الثالث لإعادة الشرعية التي استلبت من قبل طائفية عبثية، عاثت بالتعاون مع طائفية إيران بميلشياتها فساداً في أرض الحكمة والعروبة الأصيلة، بشكل زاد على إرم ذات العماد، والذين طغوا في البلاد.

حرب مشتعلة في سيناء مصر العروبة ورأس حربتها، وأخرى في ليبيا بحكوماتها المتعددة، وثالثة في العراق مع سوريا التي زادها «داعش» طينة وبلة، وأخرى في غزة والضفة، وبين فينة وأخرى في لبنان المأسور من قبل «حزب الله»، ونسمع عن حُريب في الجزائر وأخرى في تونس في لافتاتها العريضة واللصيقة بالإرهاب والتطرف والعنف المضاد، وحتى معركة الذئاب المنفردة لم تخرج عن إطار هذه الحروب المشتعلة في مختلف جبهات العالم الأول والثاني والثالث وما عد منها في الرابع، وهي الدول التي لم تستقر لها حكومة بعد.

بعد كل هذا، هل العالم بحاجة إلى حرب عالمية ثالثة، بكل أعبائها قتلاً وتشريداً وهجرة، ومن ثم التفكير في طريقة مارشالية جديدة لإعادة بناء ما دمرته هذه الحروب المتفرقة التي هي بحاجة إلى تريليونات الدولارات تُحرق من أجل العدم.

إن لم يكن هذا المشهد المليء بكل أنواع الكوارث الإنسانية التي مرت على البشرية، حرباً ثالثة، فكيف يكون مشهد التوقع للحرب المفترضة حسب مقاييس حاجة العالم إلى حرب السلام التي لم تتكرر إلا وكانت تبعاتها ما نراه من خلال هذه الكوميديا السوداء، وسط هذه الحروب المتفرقة في الأماكن والمتفقة على ضياع مطالبات الشعوب بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، وأضف عليها ما شئت من القيم الإنسانية النبيلة، وحتى أمانيها في العودة إلى نقطة الصفر قبل الولوج إلى أتون هذه المعارك التي اختلط فيها الحابل بالنابل من دون نابالم آخر.

قرأنا في التاريخ بأن لعبة الشطرنج كانت كفيلة أحياناً بإيقاف الحروب الطاحنة بين الأعداء والخصوم والأصدقاء والإخوة الأشقاء المتنافسين على كرسي للحكم لا يسع لاثنين، ولا يمكن تقسيمه على متنافسين، حتى لو كان الثمن أرواحاً عزيزة ودماء غزيرة، فكم طارت رؤوس وتحطمت عروش من أجل هذا الهدف غير السامي.

أما الحروب الساخنة في البقاع السائلة فلم توقفها قرارات الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا الجامعة العربية ولا المؤتمر الإسلامي أو غيرها من منظمات، أو مؤسسات المجتمع المدني، التي صدرت أطناناً من قرارات الاستنكار والإدانة بأشد الألفاظ والتعابير التي لم تعلُ على صوت الأجساد المفخخة قبل المركبات والرصاصات الطائشة أو المستهدفة والقنابل الحارقة، قبل لكمات الكلمات التي انتزعت قوة الحق منها بحق القوة والإمعان في تنزيل نظريات البقاء للأقوى على حساب الأصلح فضاعت الطاسة في منتصف الطريق ومفترقه.

فالحروب قائمة لا يحتاج العالم إلى حرب ثالثة، لأنها لن تحرق أكثر مما هو محروق بالطبع، حتى وإن هدد البعض بوفرة القنابل النووية في صراعات الدول المتقدمة، وحتى المتخلفة، فتوقعات قراء المستقبل لحرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر، ليست في محلها، لأن واقع الحروب المشتعلة يغنيها عن التفكير في حرب ثالثة واقعة فعلاً، ولكننا في غفلة واقعية عن إطفائها، فضلاً عن البعض الذي يزيد من أوارها.