محمد نورالدين

زيارات رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، الإقليمية إلى دول عربية وإقليمية، كانت لافتة من حيث توقيتها ونتائجها، والملفات التي تم بحثها.
وكانت فاتحة مثل هذه الزيارة «المفاجئة» تلك التي قام بها رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر إلى السعودية، واجتماعه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وظهر كثير من الكلام عما إذا كانت هذه الزيارة بالتنسيق مع إيران، أم رغماً عنها، أم على الأقل من دون استشارتها.
جولة العبادي التي شملت السعودية والأردن كانت كسراً للمشهد الإقليمي المتجمد والمحتقن. وهذه خطوة اكثر من مطلوبة في العلاقات البينية، خصوصاً بين الدول العربية.
ويقف العراق فعلاً في موقع يحتاج إليه كل عربي وحتى مسلم. ففي السلطة العراقية توجد تقاطعات وتباينات تجعل التواصل مع فرقاء متصارعين في المنطقة ممكنة. وهو يقع جغرافياً في منطقة وسطى بين الفضاءات الإسلامية الأكبر، وهي الأتراك والفرس والإيرانيين، وإذا وسّعنا الدائرة فالعراق يقع أيضاً على «حدود» الفضاء الكردي في الشرق الأوسط ككل.
ويمكن لجيوبوليتيك العراق أن يتحول إلى فرصة للمنطقة وشعوبها بعد أن تحول إلى بؤرة للفتن والمذابح والدماء على امتداد عقود.
لم يترك أحد العراق يهنأ ويستقر. وقبل أن تأتي إليه القوى الخارجية عانى طويلاً الاستبداد والقمع والتمييز الداخلي. ومن بعد ذلك دفعوه ليخوض حروباً خارجية، ومن ثم تعرض لغزو استعماري مباشر على يد الولايات المتحدة. وفتحت المعتقلات وأشهرها أبو غريب، ومن ثم كان التقسيم بداية مشروع تفتيت شامل للمنطقة.
أرادت القوى المتآمرة أن يتحول العراق إلى نواة الفوضى في المنطقة، وإلى منطلق لتحويل الكردي إلى عدو للعربي، والعربي إلى عدو للكردي، وإلى ساحة لتجريب كل الموبقات، وتظهير كل الأحقاد.
التنوع الديني والطائفي والعرقي والسياسي، حتى داخل المكوّن الواحد، استغلوه ليكون نقمة. لكن في لحظة صبر، وحكمة، وتروّ، يمكن لهذا التنوع أن يكون نقطة إشعاع على كل الجوار والمنطقة. ويمكن في لحظة بصيرة أن يصبح كل مكوّن، أو توجه صلة وصل مع كل شعوب المنطقة وقياداتها.
في العراق تيارات من كل الفئات، واحدة على علاقة متينة مع إيران وأخرى على علاقة جيدة مع السعودية، وأخرى على علاقات ممتازة مع سوريا، وغيرها له خطوط تعاون مع تركيا، وفوق هؤلاء ترتسم صورة الأمريكي المؤثر وصورة روسيا الموجودة. وتاريخياً لإنجلترا في العراق عيون، ولفرنسا فنون.
جولة العبادي في تقديري يجب أن تثير ارتياحاً لدى مؤيديه ولدى معارضيه من القوى الداخلية والخارجية. فمهما كان العداء، أو التباين فإن لغة التواصل والحوار هي السبيل الأصح لحل المشكلات وتوحيد الجهود. وفي البعد جفاء يزداد مع استمرار الابتعاد. فليس العراقي عدواً للسعودي أو الإماراتي، وليس السوري عدواً للأردني أو المصري، وليس الليبي عدواً للتونسي. ويجب ألا يكون التركي عدواً للعربي، ولا الإيراني عدواً للتركي، أو العربي عدواً للعربي.
لقد أعمل الاستعمار بنا تحطيماً وتدميراً، وأعملنا بأنفسنا ما سوف نُساءل فيه في الآخرة. وقد آن الأوان أن نرتاح من هذه المشكلات والصراعات. فهذه البلاد تتسع لكل الناس، وكل التيارات، وكل الأديان والمذاهب، وفيها ثروات لو أُحسن استغلالها بالعدل ومن دون فساد لاكتفت منها أمم، وليس امتنا فقط.
كيفما نظرنا نجد في القرآن الكريم ما يدعو إلى الحكمة، والجنوح إلى السلم والعدل والاعتدال، وخدمة الخير، ومحاربة الشر. وربّ «بحصة تسند خابية» كما يقول المثل. والانتقال إلى التواصل واللقاء والحوار والتكامل بين الجميع أكثر من ضرورة. فقد شبعت الأمة من نزيف الدم، ودموع الأمهات، وأن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام.
زيارات المتناقضين المتبادلة بارقة أمل في هذه المرحلة الصعبة، وحبذا لو تستكمل وتنتظم من جهة، ونشهد مثيلاً لها بين أطراف أخرى من جهة أخرى.

- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/0ae2a68a-6423-4baf-b414-d9cb078e9146#sthash.0slwAUYg.dpuf