علي سعد الموسى

والعنوان بعاليه، هو اختياري الشخصي، لواحدة من عشرات الجمل التاريخية التي وردت في مقابلة الأمير محمد بن سلمان مع كاتب نيويورك تايمز، الأول والأبرز، توماس فريدمان. ولو أنني قرأت هذه الجملة الفلسفية العميقة على ورقة شاردة دون إشارة إلى عنوان أو مصدر لربما حسبت أنها من فم روجيه غارودي أو مالك بن نبي أو جمال الدين الأفغاني.

نحن اليوم، وفي كل خريطة العالم الإسلامي، بل وفي العالم بأسره، بحاجة ماسة إلى مجدد ينقذ هذا الدين العظيم من تلك الصورة السالبة، ومن ذلك القالب المشوه الذي وضعه فيه بعض أهله، إما من المشتغلين بخطابه، وإما من بعض خراج هذا الخطاب المتطرف المتشدد. أكتب مقالي هذا صدفة وأنا أستمع على الشاشة أمامي إلى شاهد عيان نجا من مجزرة المسجد بسيناء، وهو يقول إن القتلة المجرمين كانوا يرددون «الله أكبر». هذه اللقطة وحدها تشرح كل قصة الاختطاف لهذا الدين والقتل باسمه. كنت سابقا أقول إن هذا التطرف قد جعل من الأقليات الإسلامية في الأرض أسرى محاصرين تحت الخوف والشك، واليوم بتنا محاصرين في عقر الدار وقلب الخريطة.
تعالوا معي إلى مفردة «إعادة تفسير الدين»: إذ تحت ثورة العلم والفضاء المفتوح وكثافة المعلومة أكاد أجزم أن طوفان الكتابة في الخطاب الإسلامي قد أخرج لنا من الأوراق الجديدة في الثلاثين عاما الأخيرة مئات أضعاف ما تركه لنا كامل التراث الإسلامي لألف وأربعمائة سنة. وهنا سؤالان في جملة واحدة: هل نحن في هذا الزمن نعيد اكتشاف هذا الدين وكأنه كان خفيا غائبا لأربعة عشر قرنا من قبل، وهل هذه الظاهرة من طوفان الخطاب مسألة صحية في حق هذا الدين العظيم وفي حق المنتسبين إليه؟ والجواب من فم المصطفى، عليه أفضل الصلاة والتسليم: (إن هذا الدين عميق فأوغلوا فيه برفق). ولم يوصف هذا الطوفان الخطابي بأفضل من مقال قديم للشيخ الدكتور عائض القرني تحت عنوان (تورم وانتفاخ علم الشريعة)، وهو موجود على الشبكة بضغطة إلكترون.
والخلاصة أن كل ما حل بهذا الإسلام في العقود الثلاثة الأخيرة ليس إلا إعصارا مدمرا من كثافة إعادة التفسير. تحت ضغط الإتيان بجديد مختلف وصلنا إلى الفتاوى الشاذة. تحت ضغط شعبوية الشيخ المختلف عن المألوف وصلنا إلى أن كل طريقة تكفِّر الأخرى، وهكذا استمر الطوفان حتى تحريم التعايش مع كل حضارة وثقافة مختلفة. الخلطة بسيطة جد اختزلها هذا الأمير الشاب في أربع كلمات: العودة للأصول لا إعادة التفسير. للأسف الشديد تجرأت آلاف الشخصيات والجامعات على إعادة تفسير هذا الدين وهرطقة اكتشافه بعد 1400 سنة.