دنيس روس

نجح الرئيس ترمب في الوقوف بقوة في وجه إيران وسياساتها الخطيرة في الشرق الأوسط. وعندما سعى لأن يشرح أمام الكونغرس السبب وراء اعتقاده بأن الاتفاق النووي الإيراني لا يخدم المصالح الوطنية الأميركية، تحدث ترمب ليس فقط عن البرنامج النووي، وإنما كذلك عن دعم طهران للإرهاب وسلوكها الرديء على مستوى المنطقة. وأعلن أننا سنتصدى لنشاطات طهران المزعزعة لاستقرار المنطقة، بل وجعل ذلك واحداً من الأعمدة الرئيسة التي تقوم عليها استراتيجيته تجاهها. 

الواقع أن هذه الاستراتيجية لا تزال خطابية فحسب في الجزء الأكبر منها. ومع أن الإدارة الأميركية عمدت بالفعل إلى تصنيف بعض الكيانات والأفراد داخل إيران كإرهابيين - بجانب جماعة «حزب الله» - تمهيداً لفرض عقوبات ضدها، لكن بطبيعة الحال لا ننسى أن هذه أداة سبق لإدارة أوباما الاعتماد عليها. ويقتضي الإنصاف القول بأن ثمة خطوة جديدة تتخذها إدارة ترمب، فهي تسلط الضوء على شحنات الأسلحة الإيرانية غير القانونية التي تشكل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، وذلك عبر عرضها الأسلحة الإيرانية التي تُجرى مصادرتها داخل اليمن.
بالطبع هذه خطوة مرحَّب بها لأنها تضع عبء المسؤولية على كاهل إيران، وتعِين على كسب تأييد جماعي للضغط على الإيرانيين لوقف شحنات الأسلحة التقليدية التي يوجهونها إلى الجماعات التي تعمل بالوكالة عنهم. ورغم كونها خطوة مفيدة، فإنها تذكِّرنا بأن الإدارة الأميركية لم تتخذ على الصعيد العملي بعد الخطوات التي تمكّنها من التصدي، أو على الأقل احتواء الإيرانيين في إطار الصراعات المختلفة المشتعلة في المنطقة.
داخل سوريا، تنتهج واشنطن سياسة مناهضة لـ«داعش»، لا لإيران. وفي العراق، تتمثل سياسة واشنطن في التصدي للنفوذ الإيراني على نحو غير مباشر عبر تعزيز الحكومة المركزية والجيش العراقيين. ويبدو هذا منطقياً، لكن هذا أيضاً يذكّرنا بثقل قوات الحشد الشعبي، التي تسيطر قوة «القدس» الإيرانية على قطاع كبير منها، وقدرتها على تهديد القوات الأميركية المكشوفة، الأمر الذي يفرض على الإدارة الأميركية ضرورة توخي الحذر في تحركاتها داخل العراق.
في اليمن، أطلقت الإدارة تحذيرات بخصوص استعداداتنا للاستجابة لأي تهديدات للملاحة عبر مضيق باب المندب. ومع هذا، فإن مشاركتنا مقصورة في الجزء الأكبر منها على تقديم المعلومات الاستخباراتية للعمليات الجوية السعودية. وفي لبنان، يبدو أن ثمة اعتقاداً لدى الإدارة بأنه من الممكن كبح جماح الإيرانيين عبر توفير المزيد من الدعم المادي للجيش اللبناني، ورغم صحة هذا الهدف، فإن النتيجة تبدو غير مؤكدة على الإطلاق، بالنظر إلى ثقل ونفوذ «حزب الله» على القوات المسلحة اللبنانية.
وبطبيعة الحال، لا تزال طهران مستمرة في اختبارات الصواريخ الباليستية، في الوقت الذي يتحدث المرشد الأعلى عن الدفاعات الإيرانية المتقدمة باعتبارها تتضمن لبنان وسوريا والعراق. بمعنى آخر، فإن الإيرانيين يتحدثون علانية عن هذه المناطق باعتبارها داخل نطاق نفوذهم.
المؤكد أن القيادة الإيرانية تعمد إلى التصرف على نحو يوحي بثقة كبيرة بالنفس، وتسعى لترسيخ هذا الاعتقاد في أذهان آخرين داخل المنطقة أيضاً. وعليه، فإن القول بأن الولايات المتحدة قادرة على التصدي لنشاطات إيران المزعزعة للاستقرار يتطلب بعض الجهود على هذا الصعيد، وطرح بعض الإشارات التي تؤكد أن الإيرانيين والميليشيات التي تعمل عنها بالوكالة لن تتمكن من توسيع دائرة نفوذها.
ولأن سوريا هي المكان الذي يعمد الإيرانيون إلى ترسيخ وجودهم به وتوسيع دائرة نفوذهم ونفوذ الجماعات والجماعات التي تعمل بالوكالة عنهم، فإن احتواءهم هناك من شأنه البعث برسالة مهمة إلى المنطقة. في الواقع، يجب أن تتألف أي استراتيجية للاحتواء من جوانب عدة: دبلوماسية، واقتصادية، وأمنية، وعسكرية.
إذن، ما الصورة التي ينبغي أن تكون عليها مثل هذه الاستراتيجية؟ أولاً: ينبغي أن تنقل الإدارة إلى الجانب الروسي في هدوء، رسالةً مفادها أننا ملتزمون باتفاق مناطق خفض التصعيد في سوريا، لكن يجب أن يكون الأمر متبادلاً. اليوم، يسمح الروس باستمرار القتال داخل اثنتين من مناطق خفض التصعيد: إدلب، والغوطة الشرقية. وغير مسموح في أيٍّ من المنطقتين بإدخال مساعدات إنسانية أو إجلاء مدنيين.
من ناحيتها، ينبغي أن تخطر الولايات المتحدة الروس بأنه إذا لم يمنعوا النظام السوري والميليشيات الإيرانية من التوسع إلى داخل هذه المناطق، فإن أميركا ستحمل على عاتقها هذه المهمة.
ورغم أن القوة الجوية الأميركية أضخم بمراحل عن نظيرتها الروسية الموجودة داخل المنطقة كماً وكيفاً، تمكن الروس من استغلال قواتهم الجوية الصغيرة نسبياً في ضمان بقاء نظام الأسد، وتغيير موازين القوى على الأرض داخل سوريا. وبمقدور إدارة ترمب استغلال القوة الجوية في وقف تمدد الإيرانيين وعملائهم داخل سوريا. 
ثانياً: استغلال القرار رقم 2231 من مجلس الأمن لاعتراض صادرات الأسلحة الإيرانية. تبعاً للقرار، فإنه يُحظر على إيران تصدير أسلحة. وينبغي ألا تقتصر دائرة الضوء المسلطة على صادرات الأسلحة الإيرانية على الحوثيين واليمن، وإنما كذلك على الأسلحة الموجهة إلى «حزب الله». ورغم اعتراض إدارتي أوباما وترمب لشحنات أسلحة إيرانية بالفعل، فإنه ينبغي جعل هذه الجهود أكثر تناغماً واستمرارية.
ثالثاً: استغلال الرغبة الأوروبية في عدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني لدفع البريطانيين والفرنسيين والألمان إلى الانضمام إلينا في صياغة الثمن، الذي يجب أن يتكبده الإيرانيون مقابل ما يقترفونه داخل المنطقة، خصوصاً أن الأوروبيين يشاركوننا قلقنا إزاء السلوك الإيراني الإقليمي.
رابعاً: ضرورة العمل على ضمان عجز إيران والميليشيات التابعة لها عن سد الفراغ الذي تخلفه هزيمة «داعش» في سوريا والعراق. داخل سوريا على وجه الخصوص، بدأ الإيرانيون بالفعل تحركاتهم لملء هذا الفراغ. ويتمثل العنصر المحوري هنا في تقديم العون لعناصر وقوى محلية، وضمان استئناف جهود إعادة الإعمار والحكم الفاعل. 
الحقيقة أن فكرة عدم انسحاب القوات الأميركية من شمال سوريا، خلال الوقت الراهن على الأقل، تبدو مؤشراً إيجابياً وينبغي العمل على تعزيزها عبر جهود إعادة الإعمار والحكم والأمن والدمج. وهنا من الضروري التعاون مع السعودية والإمارات من خلال لجنة مشتركة للإشراف على وتنفيذ جهود إعادة الإعمار.
خامساً: كما أن حقيقة أننا نشعر ببعض القلق إزاء السلوك القطري، والسبيل نحو تحقيق إنهاء المشكلة يكمن في تحديد المجالات التي نحتاج إلى حدوث تغيير في السلوك القطري بها: الالتزام باتفاقهم بتمويل جهود مكافحة الإرهاب مع واشنطن، وسجن أو طرد من تصنفهم الولايات المتحدة باعتبارهم داعمين للإرهاب أو يسهّلونه، وإنهاء الدعم المقدم لقناة «الجزيرة» بصورة تدريجية، وهي القناة التي لا تزال تحرّض أكثر بكثير مما تنقل الأخبار. والتزام الجانب القطري بهذه الشروط، سينهي المشكلة. أما إذا لم يلتزم القطريون، فإنهم سيدركون أننا سنعمل على إيجاد بدائل لقاعدة «العديد». المعروف أن هذه القاعدة العسكرية تشكل ضمانة أمنية لقطر، لكننا لن نسمح بتوفير غطاء لأنماط سلوك نعتقد أنها تهدد مصالحنا ومصالح أصدقائنا.
سادساً: ينبغي البدء في عملية تخطيط سرية طارئة مع السعودية والإمارات وغيرهما، للنظر في كيفية صياغة خيارات للتصدي لاستغلال إيران الميليشيات التي تعمل بالوكالة عنها في المنطقة. 
أخيراً: ينبغي أن تُبدي إدارة ترمب استعدادها للحديث مباشرة إلى الإيرانيين، وشرح المخاطر التي تنتمي إلى أنماط سلوك بعينها بوضوح. وبالتأكيد يمكن أن يشكل التواصل المباشر وسيلة لتجنب حدوث سوء فهم. وسيقدم هذا الاتصال المباشر أفضل النتائج المرجوة، إذا ما أوضح استعدادنا للتعامل مع التهديدات، وفي الوقت ذاته انفتاحنا أمام الفرص المتاحة. وينبغي أن تبدي واشنطن استعدادها لاحترام المصالح الإيرانية الإقليمية، إذا ما أبدت طهران احترامها لمصالح جيرانها وتوقفت عن تهديدهم.