علي سعد الموسى

وأنا، وباعترافي الشخصي، على رأس الطابور وفي مقدمة الصف: نحن معشر حملة القلم أول من يضيق بالرأي المختلف، ونحن أول من يصادر حرية التفكير البديل، ونحن أول من يهرب بعنف عندما يسمع الحجة التي لا تتفق مع ما يريد ويشاء حذو القذة بالقذة.


القصة أنه بغير اختياري ودون سابق إذن صحوت صباحاً لأجد نفسي ضمن مجموعة اتصال جديدة في تطبيق الواتساب، وكلها تزخر بالأسماء الرنانة التي طالما كتبت ببراميل الحبر عن ضرورة الاختلاف، وعن حتمية التنوع، وعن طيف الآراء الواسع الذي قد يفوق ما تستطيع الطبيعة أن تفرزه من الألوان. تكتب هذه المجموعة الغالية الأثيرة إلى الروح كل صباح ما يمكن له تغطية الجدار الغربي لمكتبي المنزلي، وكلها أفكار مقالات تدعو للاختلاف والتباين والتنوع. ولمدة يومين اخترت أن أبقى في هذه المجموعة بصفة (مراقب)، تماما مثلما كانت فلسطين في الأمم المتحدة أو جزر الـ [كايمان] على مقاعد مجموعة [الآسيان]، ومع أول مشاركة لي بعد هذا الثبات وسط هذا الهدير الصاخب، فوجئت بأول من يغادر المجموعة من الإخوة الكتاب المشاركين، تاركا لنا قبل الوداع الأخير رسالة تقترب من التقريع والسخرية، ولكنها للحق لا زالت على بعد خطوة من السب والشتم، لم تكن مداخلتي التي ندمت عليها تتجه لأحد. لم تكن أيضاً تناقش فكرة لأي من أعضاء المجموعة، على النقيض كانت مداخلتي تدعو إلى أن يبقى تواصل أعضاء هذه المجموعة في سقف الحد الاجتماعي البحت، بعيداً عن نقاش الأفكار والقضايا، خوفاً عليهم من أن يتحولوا إلى ما يشبه طبق البيض، حيث كل بيضة تشبه الأخرى بالاستنساخ.
الدرس في هذه القصة يكمن في أننا وبلا استثناء، نكتب للناس كل هذه الأفكار النمطية، ونتوقع من معاشر القراء الكرام أن يقبلوا ولو بشيء مما نكتب، ولكننا أول من يهرب ويرفض صلب ما نكتبه. نحن في هروبنا وانفصالنا عما تكتبه أقلامنا للجمهور الكريم لا نشبه إلا طبيب العيون الذي يجري في اليوم الواحد عمليات [التشريط] لزبائنه كي يتخلصوا من النظارات، ولكنك تكتشف أنه نفسه يلبس نظارة طبية بحجم قاعدة كوب الشاي، مثل جراح السمنة الذي يقترب وزنه من وزن (الحاشي) الوليد. 
الخلاصة: أنني عدت مع هذه القصة لأذكى سؤال في حياتي ومن لسان أحد طلابي بالجامعة ذات زمن وهو يقول لي: هل أنت بالضبط ما تكتب يا دكتور؟ يومها كنت في كبرياء على استفزاز السؤال، واليوم: نعم لست أبدا ما أكتب.