نجحت جهود دول إقليمية بينها السعودية وتركيا في دفع الفرقاء السياسيين السنة في العراق، إلى عقد لقاءات مباشرة بين بعضهم البعض، استمرت ليومين في مدينة إسطنبول التركية لإقرار خارطة العمل السياسي في “عراق ما بعد داعش”، في خطوة من المرجح أن تثير غضب إيران وتوسع دائرة الخلاف مع الأحزاب المرتبطة بها.

وبحسب البيان الذي صدر عن المؤتمر، فقد “بحثت شخصيات سياسية واجتماعية وفكرية عراقية أوضاع العراق في مرحلة ما بعد داعش، وتم في الاجتماعات التشاورية التي جرت في تركيا التأكيد على وحدة وأمن واستقرار العراق ورفض أي صيغة أو محاولة لتقسيمه”.

وتجمعت 30 شخصية سنية الأربعاء، وعقدت لقاءات على مدى يومين، تضمنت مناقشة خارطة طريق للعمل السياسي السني في مرحلة ما بعد داعش وموضوع الإقليم السني، وموارد إعمار المناطق السنية التي دمرت بفعل احتلال تنظيم داعش، فضلا عن مناقشة مستقبل النفوذ الإيراني في العراق.

وأبلغ سياسي عراقي بارز “العرب” بأن “هذا التحرك الإقليمي المدعوم دوليا يستهدف توحيد الجهود السياسية السنية في العراق، وحرمان إيران من أي حليف سني”.

وحظيت هذه اللقاءات بدعم ومراقبة الولايات المتحدة التي أرسلت ثلاثة مندوبين لحضورها.

ووفقا لمعلومات “العرب” فقد نجحت الأطراف الإقليمية في إقناع شخصيات عراقية متقاطعة بالجلوس إلى طاولة واحدة.

وشارك في اللقاءات كل من نائب رئيس الجمهورية زعيم ائتلاف متحدون أسامة النجيفي ووزير المالية السابق رافع العيساوي ونائب رئيس الوزراء السابق صالح المطلك وزعيم الحزب الإسلامي العراقي إياد السامرائي ووزير التخطيط سلمان الجميلي وزعيم المشروع العربي خميس الخنجر والإعلامي سعد البزاز ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي ورئيس كتلة اتحاد القوى في مجلس النواب أحمد المساري ورئيس كتلة الحل النيابية محمد الكربولي والأمين العام لهيئة العلماء المسلمين مثنى الضاري، فضلا عن نواب وشيوخ عشائر ورجال دين.

وتشير مصادر “العرب” إلى أن ممثلا لجناح “محمد يونس الأحمد” في حزب البعث المنحل شارك في اللقاءات، فيما ألغى رئيس البرلمان سليم الجبوري مشاركته في اللحظات الأخيرة، بضغط من نواب في ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي.

ووفقا للمصادر، فإن المسؤولين والنواب العراقيين الذين شاركوا في هذه اللقاءات، أبلغوا رئيس الوزراء حيدر العبادي بنواياهم قبل مغادرتهم إلى تركيا.

وفي أول رد فعل على مؤتمر تركيا، أصدر النائب فالح الخزعلي عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، بيانا وصف فيه المجتمعين في تركيا بالمتآمرين.

وأفضت اللقاءات إلى تشكيل “هيئة تنفيذية”، لمتابعة الاتصالات وإعداد المشاريع. كما اتفق المجتمعون على تشكيل هيئة إدارية مكونة من 25 شخصية، لتهتم بوضع برامج وآليات إنجاح مخرجات اللقاءات.

وتقول مصادر “العرب” إن “الطبقة السياسية السنية في العراق تريد، قبيل الانتخابات، إيصال رسالة إلى الأحزاب الشيعية مفادها أننا قادرون على التجمع، وأن لدينا دعما إقليميا ودوليا كبيرا”.

ووفقا للمصادر، فقد حصل المؤتمرون على وعد من الدول الراعية والداعمة بتوفير ما يصل إلى 30 مليار دولار أميركي من أجل إعمار المحافظات السنية التي دمرت بفعل الحرب.

ويقول البيان الصادر عن المؤتمر، إن المجتمعين في تركيا شددوا “على أن اللقاءات التشاورية تجري في إطار الدستور العراقي وتهدف إلى دعم جهود إصلاح العملية السياسية في العراق”.

ويرى مراقبون في بغداد أن الجلسات النقاشية التي تعقدها شخصيات الطبقة السياسية السنية برعاية بعض دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الجوار السني، لا تقلق حكومة العبادي. لكنها ربما تقلق طهران التي بدأت بخسارة نفوذها في سوريا واليمن، ولم يبق لها من أوراق للتفاوض إلا ولاء حلفائها في العراق، وسط توقعات بشن حملات إعلامية مضادة لإفشال مخرجات هذه الجلسات.

وقال مراقب عراقي لـ”العرب” إن انعقاد مؤتمر إسطنبول جاء في مناخ إقليمي ودولي ساع لزعزعة التأثير الإيراني في العراق، وإبعاد رئيس الوزراء العراقي عن مجال تأثيرها، وجلبه إلى تحالف عربي تركي أميركي يهدف إلى القضاء على داعش وتحرير العراق من سطوة إيران في آن واحد.

لكن المراقب حذّر من أن التركيز على الدور الخارجي في تثبيت دور السنة في المرحلة القادمة قد يكرر أخطاء سابقة أضرت بالطائفة أكثر مما نفعتها.

وأشار إلى ضرورة أن توسع هذه الشخصيات من الحوار العراقي-العراقي للبحث عن مظلة وطنية تتحقق من خلالها مطالب المحافظات السنية ومن بينها ضمان تمثيلية أكبر في المؤسسات، والحصول على صلاحيات أكبر لإدارة شؤون المحافظات.

واعتبر المراقب أن الاستعانة بخبرات خارجية لتطوير أداء ميليشيات سنية ستعطي مبررات إضافية لإيران وحلفائها للمزيد من تسليح ميليشيا الحشد الشعبي، ما يحول العراق إلى حقل ألغام مهدد بالانفجار في أي لحظة، وأن الحل في حشد الدعم الإقليمي والدولي للضغط من أجل تفكيك الميليشيات وتقوية الجيش والقوات العراقية.