حمود أبو طالب

الدول الحية هي التي تتفاعل بديناميكية وواقعية مع الاحتياجات التي تفرضها المتغيرات وتتعامل مع معطيات الحاضر بما يحقق أكبر قدر من الاستقرار ويضمن قدرا معقولا من الأمان للمستقبل. هي التي تغير جلد سياساتها وأساليب اقتصادها وأنظمتها المختلفة استنادا إلى ما يحدث حولها في العالم،

هي التي لا تصر على البقاء في حالة ستاتيكية ونمط واحد في أدائها لا يتغير، ما قد يعرضها لتصلب في شرايينها يمنع تدفق دماء التطوير والقدرة على التعايش مع إيقاع العالم الذي لم تعد نوتة واحدة قادرة على ضبطه. هي التي تستثمر مكامن قوتها وتوظفها وتراهن عليها وتقايض بها من أجل مصالحها في زمن لم يعد يعرف غير المصالح المتبادلة والمنافع المشتركة بين الدول. إنه الوهم بعينه إذا كان ثمة من يعتقد أن العالم سيضع اعتباراً لدولة، أي دولة، دون أن تتوفر لها عناصر القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والقدرة على إدارة هذه العناصر بأساليب ذكية تحقق لها المكانة التي تريدها.

الجولة الطويلة التي يمضيها خادم الحرمين الشريفين الآن في آسيا وتنتهي باليابان والصين ستثمر عن اتفاقيات وشراكات كبرى في ملفات التكنولوجيا والاستثمارات والتجارة والنفط والتمويل والتعليم والطاقة، وقد تم توقيع الكثير منها في الدول التي زارها وسيختتم بالكثير أيضا في بلد الشمس المشرقة وبلد المليارين وثاني أكبر اقتصاد في العالم، والمرشح لأن يكون الأول ذات يوم.

في الوقت ذاته يطير ولي ولي العهد إلى واشنطن بدعوة من الرئيس ترمب، ربما كأول مسؤول عربي بهذا المستوى منذ بدء الإدارة الأمريكية الجديدة، وبالتأكيد هناك ملفات في غاية الأهمية سيتم بحثها، وفي مقدمتها الإرهاب وتدخلات إيران وخطرها على الأمن الإقليمي، وتحدث هذه الزيارة في وضع تتقدم خلاله قوات الشرعية اليمنية بمساندة قوى التحالف الذي تقوده المملكة نحو صنعاء بشكل سريع بعد تحرير كثير من المحافظات وبدء استقرار الحكومة الشرعية.

وفي الداخل تمت خلال الأيام الماضية لقاءات مع وفود اقتصادية ومسؤولين سياسيين أجانب على درجة عالية من الأهمية، في الوقت الذي تشهد فيه المملكة تحريكا لكثير من المياه الراكدة على الصعيد الاجتماعي والثقافي والفكري بالتزامن مع الحراك الخارجي الضخم والحضور العالمي المهم.

إن كل ما يحدث يؤكد أن الدولة لا تضع مساحيق تجميل مؤقتة تخفي بعض التجاعيد لتحسين صورتها فقط، بل تعيش حركة تجديد شاملة تشبه زراعة خلايا جذعية تقضي على بعض جينات الترهل والتباطؤ، وتجعل منها دولة حيوية حديثة لائقة بهذا الزمن، وبوطن يستطيع باقتدار أن يتبوأ مواقع متقدمة في الصدارة، ومواطن يستحق أن يعيش حياة أفضل.