عبدالرحمن الطريري

بدأ خادم الحرمين الشريفين جولة آسيوية لعدة دول، منها الصين واليابان ثاني وثالث اقتصاد في العالم على التوالي، بالإضافة إلى إندونيسيا التي تأتي في المركز السادس عشر عالميا على مستوى الناتج المحلي الإجمالي، كما شملت الجولة بروناي وماليزيا التي تعد اقتصادا مهما ودولة مهمة في آسيا.

العلاقات مع تلك الدول تزيد دوما بعد يوم لتصل لمدى أكثر إستراتيجية، كما أن العلاقات مع الدول الإسلامية الكبرى مثل إندونيسيا وكذلك ماليزيا، تزيد من تكاتف الدول الإسلامية لمكافحة الإرهاب، ومن سبل التعاون لدرء هذة التهمة التي يراد لها أن توصم بالإسلام.

هذا الحراك الدبلوماسي السعودي لم يبدأ بهذه الجولة، ولن ينتهي عندها، لما تدركه السعودية من مسؤوليتها العربية والإسلامية، ومسؤوليتها في الإسهام باستقرار منطقة الشرق الأوسط، وكونها رأس حربة في محاربة الإرهاب، الذي لا يمر من طريق إلا ولإيران بصمات فيه، وهذا ما دفع المملكة لدعوة الدول الإسلامية لتشكيل تحالف من أربعين دولة لمكافحة الإرهاب.

كما أن هذا الحراك الدبلوماسي السعودي لا يأتي في فترة مترفة لأحد، لا الدول المنتجة للنفط ولا الدول المستهلكة للنفط، كما أنه يأتي في فترة تعيش فيها منطقة الشرق الأوسط حالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار، مع سعي حثيث لإنهاء مفهوم الدولة، ودول فاشلة تعيش تهديد التقسيم، كما تشهد المنطقة تغيرا في موازين القوى العالمية، وتمددا لقوى انسحبت من المنطقة منذ عقود مثل روسيا واليوم نجدها في سورية وفي ليبيا أيضا.

السعودية بنشاطها الدبلوماسي لم تسلك طريق الشرق بحثا عن بديل، رغم ما شهدته العلاقات الأمريكية السعودية من فتور خلال فترتي أوباما خصوصا الثانية، إلا أن سلوك طريق الشرق ليس حديثا بل عمره سنوات، ويتطور يوما بعد يوم حتى وصلت العلاقات لدرجة إستراتيجية، مع الدول التي زارها الملك ومع دول أخرى شرقا وغربا، كما أن العلاقات الخليجية والعربية اليوم أقوى من ذي قبل، وليس أدل على ذلك من تشكيل تحالف عربي لنصرة الشرعية في اليمن، والذي أكد مجددا على أن العرب قوة متى ما قرروا الاتحاد.

بالتزامن مع زيارة خادم الحرمين الشريفين كانت زيارة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأمريكية، والتي مثلت تصويبا لمسارات الحليفين على مدى ثمانية عقود، وتأكيد الطرفين على مسلمات منها أن المملكة على رأس الدول التي تحارب الإرهاب على أرضها، قبل أن تسهم في مركز مكافحة الإرهاب العالمي، وتشارك مع الدول الصديقة بالمعلومات التي تقي الجميع شرور الإرهاب.

السعودية أكدت من الولايات المتحدة أنها حليف مهم لواشنطن، ليس على طريقة الأمن مقابل النفط، بل شريك حقيقي اقتصادي وأمني وعسكري، يبدي من خلاله وزير الدفاع السعودي، استعداد المملكة الدائم للتصدي للإرهاب سواء في سورية أو في أي بقعة عسكريا وعلى كافة الأصعدة.

يأتي هذا الحراك النشط للدبلوماسية السعودية ليتوج أكثر من لقاء بين قيادات المملكة، ولقاء مع أكثر من مئة زعيم خلال عامين، تحركت فيها المملكة خليجيا وعربيا، ووثقت لقاءاتها على مستوى الشرق، ومع حلفائها الأوروبيين وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا وبالطبع ألمانيا وإيطاليا، وكذلك تطورت العلاقات مع روسيا لتصل الدولتين اللتين تملكان 25% من نفط العالم.

كما شملت تطورا كبيرا في العلاقات السعودية الأمريكية، والعلاقات العربية الأمريكية الجنوبية، عبر استضافة الرياض للقمة العربية الأمريكية الجنوبية، نتج عنها العديد من التنسيق الاقتصادي، وكذلك التنسيق حول العديد من الملفات السياسية، حيث دعمت دول أمريكا الجنوبية حق فلسطين في دولة، وحق الأرجنتين في جزر فوكلاند.

السعودية كما أثبتت أنها قوة اقتصادية من القوى العشرين الأكبر اقتصاديا، أثبتت أيضا قوتها العسكرية عبر قيادتها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وفي اليمن أثبتت ما هو مثبت عبر عملها الإنساني والذي لا تعرف لخارطته حدود، وأخيرا أثبتت عبر كل هذا الحراك الدبلوماسي السعودي قوة علاقتها مع أشقائها وأصدقائها حول العالم، ليكون هذا العالم أفضل وأنفع للشعوب جميعا.