أمل عبد العزيز الهزاني

خلال أسبوع واحد، يمكن معاينة الحراك السعودي في أبعاد ثلاثة؛ الاقتصادي والأمني والسياسي.
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أكمل جولته الآسيوية التي بدأت من ماليزيا وإندونيسيا لهدفين رئيسيين كما ذكرت في المقال السابق؛ الأول تعزيز رابطة الدين الإسلامي المعتدل، واليوم نسمع توارد الأخبار بافتتاح ثلاثة معاهد تابعة لمعهد العلوم الإسلامية والعربية التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في جاكرتا، وتوجه الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل، مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عضو هيئة كبار العلماء، رئيس المجلس التنفيذي لاتحاد جامعات العالم الإسلامي، لافتتاح المعاهد الثلاثة هناك مع فروعها المتعددة في أكثر من مدينة، لدراسة اللغة العربية والمصرفية الإسلامية. وإندونيسيا بلد ينمو اقتصادياً بشكل مذهل، بعض المحللين يرونه منافساً لدولة مثل بريطانيا. وماليزيا كيان اقتصادي مزدهر، ولذا خرجت الزيارة بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تعاون بلغ حجمها نحو 50 مليار دولار مع البلدين، نحو ثلث القيمة تمثلها من الطرف السعودي شركة «أرامكو».
في اليابان والصين كان التركيز على أمرين؛ النفط والاستثمار. كل البيانات الاقتصادية تؤكد زيادة الطلب على النفط في هاتين الدولتين، ومع أن السعودية ليست الدولة الوحيدة المصدرة للنفط إليهما، حيث تنافسها روسيا وإيران، لكن تبقى المملكة المصدر الآمن، ونسبة المخاطر التي قد تؤثر على هذا الالتزام تكاد تكون منعدمة. إيران بلد غير مستقر، ولا تزال لم تقف على قدميها بعد سقطات متتالية إثر العقوبات الدولية عليها، والاقتصاد الروسي ليس كما يبدو، بل بلغ حداً من الانكماش في العامين الأخيرين دعا بعض الساسة الأميركيين لمقارنته بحجم اقتصاد إسبانيا أو ولاية كاليفورنيا.
سجل عام 2016 ارتفاعاً في طلب الصين واليابان على النفط، إضافة إلى أن رؤية المملكة 2030 تلاقت مع رؤية الصين المسماة «الحزام والطريق» التي تهدف إلى الوصول الجغرافي السريع لبلدان الشرق الأوسط وأوروبا، وهذا التلاقي خرج باتفاقيات بلغ حجمها 65 مليار دولار، مع التذكير بأن زيارة الرئيس الصيني العام الماضي للمملكة كانت تمهيدية لمستوى الشراكة التي خرجت هذا الأسبوع بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين، وأصبح للصينيين شراكة فعلية داخل المملكة أهمها مصفاة ينبع التي تمتلك فيها بكين نحو ثلث قيمتها. أما اليابان فقد طلبت وبشكل مباشر أن تكون شريكاً للمملكة في تنفيذ رؤية 2030، وستشهد المرحلة المقبلة حضور شركات تقنية وصناعية خاصة في مجال صناعة المركبات للاستثمار داخل المملكة.
أثناء هذه الجولة التي دامت نحو الشهر، كانت المملكة في رعاية ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، الذي لا يمضي أسبوع أو ما يقاربه دون تحقيق رجاله نجاحات أمنية جعلت من دولة مثل الولايات المتحدة تسبغ الثناء على الأجهزة الأمنية السعودية وتفوقها في العمل الاستخباراتي والاستباقي على أكثر من محور، منها المتعلق بالتنظيمات المتطرفة مثل «داعش»، أو إرهابيو محافظة القطيف شرق المملكة، أو ضبط الحدود ضد تهريب المخدرات بأنواعها وتسلل عناصر تخريبية يستهدفون حرس الحدود وزراعة الألغام. مهام ثقال، بالنسبة لدولة كالمملكة شاسعة المساحة تواجه تحديات جادة على كامل حدودها وفي الداخل.
الرجل الثالث في الدولة، ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كان خلال الأسبوع نفسه في عاصمة القرار العالمي، واشنطن، يتناول الغداء مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي قدمه الإعلام الأميركي قبل العربي على أنه معادٍ للمسلمين وعنصري ضد الأقليات. كان الاستقبال حافلاً، لقاء أشبه بأصدقاء افترقوا ثم جمعتهم ظروف الحاجة المتبادلة، واللغة المشتركة.
لفتتني إشارة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس حينما قدم التحية لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأنه سعيد لرؤيته بخير بعد محاولة إيران اغتياله. المحاولة لم تكن البارحة ولا قبل عام، كانت تحديداً في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وسماها الإعلام الأميركي وقتها «مؤامرة إيران الإرهابية»، حيث كان من المخطط اغتيال السفير السعودي وقتها في مطعم، ثم تفجير سفارتي المملكة وإسرائيل، والمتهم فيها عنصر في فيلق القدس الإيراني خطط للعملية بالتعاون مع عصابة مخدرات مكسيكية. أن يعود وزير الدفاع لذكر القضية فيه دلالة على أن هذه الحادثة نوقشت من فريق ترمب كأحد أهم الدلائل التي تثبت أن إيران دولة راعية للإرهاب، وأن محاولة كهذه لو تحققت فسيكون الضحايا بالمئات من الأميركيين والمستهدفين، إضافة إلى أنها ضربة موجعة للاستخبارات الأميركية. أيضاً وضحت إشارة وزير الدفاع تفهم الإدارة الأميركية الجديدة للموقف السعودي إزاء إيران وفيها رسالة على أن وجهات النظر متطابقة في هذا الجانب، مما يفتح الطريق إلى مرحلة ما بعد التوافق، أي العمل على صد شرور هذه الدولة وميليشياتها في العالم.
الزيارة إلى واشنطن أعادت التوازن للعلاقة السعودية - الأميركية، مع ذلك هناك كثير مما يتوجب عمله من الجانبين، وتفاصيل كثيرة حول الوجود الإيراني خصوصاً في اليمن، وأهمية حسم الحرب هناك في أقرب وقت. كما لم تخلُ الأجندة من مناقشة القضية الفلسطينية، وبدا ترمب متحمساً لحل الدولتين وأهمية التأثير العربي خصوصاً المملكة في سبيل الوفاق على هذا الحل. وكما جرى في يونيو (حزيران) من العام الماضي، عزز وجود الأمير محمد التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة، وهذا أمر يحظى بأهمية خاصة لدى ترمب، كونه رجل أعمال وكانت لديه أعمال تجارية في الخليج، ويفهم السوق الخليجية ومتطلباتها.
في واشنطن، ترمب وفريقه مؤمنان بأن مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وبالتالي في العالم لا يمكن أن تنجح بلا دعم سعودي، كونها دولة مستهدفة منه وفي الوقت ذاته حققت قفزات كبيرة لتطويقه. نجاح المحادثات في هذه المسألة دعا إلى إدراج واشنطن اثنين من «ألوية أشتر» البحرينية المدعومة من طهران ضمن القائمة الأميركية للإرهاب.
الحيوية السعودية التي شهدناها في الآونة الأخيرة متسقة مع بعضها، وأهميتها على المدى القريب والبعيد كبيرة؛ دعم الاقتصاد من خلال تنويع الشركاء، وتعزيز الاستقرار الداخلي، وإعادة التوازن مع الحلفاء الغربيين.. . . . .