علي حماده

لم يأت رد فعل رئيس الحكومة سعد الحريري على "الرسالة الخماسية" التي بعث بها رؤساء جمهورية وحكومة سابقون (امين الجميل، ميشال سليمان، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام) والذي اتسم بحدة غير معهودة منه، كفعل اعتراض على مضمون الرسالة التي لا تفترق عن وجهة نظر الحريري بالنسبة الى القضايا الخلافية الأساسية التي ينقسم حولها لبنان، بمقدار ما كان ردا سلبيا على الشكل والأسلوب، وخصوصا ان الحريري كان في عداد الوفد الممثل للبنان، وأتى حضوره برفقة رئيس الجمهورية ميشال عون ترجمة لتفاهمات سبقت مشاركة الوفد اللبناني في قمة عمان العربية، فضلا عن ان الحريري كان اطلع على مضمون كلمة عون أمام القمة قبل ان يستقل الطائرة، وكان مطمئنا الى ان عون سيمشي بين "حبات المطر" العربية، كما يقال، من اجل تجنيب لبنان أي مشكلة مع أي طرف عربي. فحضور عون والحريري في القمة أعطى المحاور العربية انعكاسا لصورة لبنان المتعددة الأطراف والقوى والتوجهات، وفي الوقت عينه اعطى صورة عن لبنان ما بعد انتخاب عون وفق تسوية سياسية كبيرة، بأنه بلد التناقضات المتساكنة بالحد الأدنى من السلمية، في الوقت الذي يشتعل فيه الاقليم من اليمن الى العراق فسوريا وليبيا. هذه إيجابية تسجل للثنائي عون – الحريري، في مرحلة دقيقة جدا عربيا.

لا نقول ان العلاقة الجيدة بين رئيس الجمهورية والحكومة تختصر كل المشهد اللبناني، لكنها تسهم في تخفيف المخاطر على لبنان. وقد بدا أن رئيس الجمهورية، كلما ابتعد عن إثارة حفيظة النظام العربي الرسمي الذي تمثل منظومة مجلس التعاون الخليجي ركيزته الأساسية، ارتاح لبنان. من هنا إيجابية الكلمة التي ألقاها عون خلال القمة، وما كانت هناك حاجة الى أكثر مما قيل.
أما الحدث الذي يجب التوقف عنده بعد الأداء اللبناني الجيد في القمة، فهو عودة الحريري الى الرياض من "البوابة" الملكية، بعدما اصطحبه الملك سلمان بن عبد العزيز لكي يظهر صورة مفادها ان "سعد ابننا"، وذلك مهما اعترى العلاقة بين القيادة السعودية والحريري من علامات استفهام استحضرتها تطورات اعمال الحريري في المملكة، انخفاض مستوى الدعم السعودي لأهم حليف في لبنان، الذي وحده يستطيع تجسيد القيادة الاولى والأبرز لأوسع فئة من المكون السني في لبنان، بالرغم من كل الضربات التي تلقاها في الأعوام الأخيرة.
ومن الرياض يتوجه الحريري الى فرنسا "الشريكة" ليرسخ تراثا عائليا حيث يتقلد وسام جوقة الشرف للمرة الثانية، هذه المرة من رتبة "كومندور"، وسبق لرفيق الحريري ان تقلد أكثر من وسام جوقة الشرف، وكان آخرها من رتبة الوشاح الأكبر! ومن خلال جولة الحريري الاوروبية (برلين وبروكسل) يفتتح الأخير مرحلة التحركات الخارجية ولا سيما انه يحمل في جعبته خطة متكاملة أعدها مع الفريق المقرب المكلّف موضوع اللاجئين، حيث يقارب المشكلة من زاوية مساعدة لبنان ببناه التحتية واقتصاده وخدماته، في موازاة مساعدة اللاجئين السوريين الذين تقارب نسبتهم نصف عدد سكان لبنان.
خلاصة القول اننا بعد قمة عمان ربما امام سعد الحريري-٢!