صفاء عزب 

انتابت سائق سيارة عراقي حالة هلع حين استوقفته قوة أمنية بينما كان ماراً في منطقة العوجة (جنوب تكريت) عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لسؤاله عن سبب مروره من تلك الضاحية التي كانت تضم منزل الرئيس الأسبق صدام حسين، وعلى رغم أن الصواريخ الأميركية كانت قد وصلت إلى غرفة نوم الرئيس العراقي وليس فقط محيط منزله، وتعرضت البناية لعمليات نهب وسرقة، لم يخفف كل ذلك من الذعر الذي تملّك السائق العراقي لمجرد ذكر اسم صدام الذي ارتبط عنده بوقائع تعذيب.

الاسم لم يكن له الوقع ذاته على صاحب السيارة المستلقي على كرسي خلفي، وهو المؤرخ المصري والباحث في الاغتيالات السياسية الدكتور محمد عبدالوهاب الذي أثارت حالة السائق تساؤلات بحثية عنده ودفعته لأن يخوص في مضمار سبل التعذيب عبر التاريخ والتي يكفي مجرد تذكرها إثارة كل ذلك الرعب في النفس البشرية.

قاد المؤرخ المصري عمليات بحث وتجميع لأدوات التعذيب مسلسلة وفقاً لترتيب تاريخي، متجولاً على مزادات عالمية، ومناشداً جهات رسمية، إلى أن استطاع جمع 760 قطعة استخدمت لأغراض التعذيب ووضعها في متحف متاح لأغراض علمية وتوثيقية يستقبل الجمهور خلال حزيران (يونيو)، الشهر الذي تصادف فيه ذكرى اليوم العالمي لمناهضة التعذيب وذكرى مذبحة دنشواي (ارتكبتها قوات الاحتلال الإنكليزي ضد فلاحين مصريين عام 1906) ومقتل سليمان الحلبي على إحدى تلك الأدوات (الخازوق) وهو شاب سوري كان يدرس في الأزهر اغتال قائد الحملة الفرنسية على مصر جان باتيست كليبير.

يقول عبدالوهاب عن متحفه الذي اطلق عليه اسم «بوابة الجحيم» في ضاحية الهرم (جنوب القاهرة): «غالباً ما يعجز من تعرض لعمليات تعذيب عن التعبير بعد تلك الوقائع التي تسلبهم القدرة على كشف المعاناة التي يقف الخيال قاصراً عن تجسيد مدى فظاعتها، لذلك حاولت محاكاة أدوات التعذيب البشعة عبر التاريخ وإتاحتها للباحثين بهدف إنساني للعمل معاً على مناهضة تلك الأساليب الوحشية».

تستقبل مجموعة من الصور القديمة لشخصيات احتلت مواقع في تاريخ الجرم العالمي ومجموعات أخرى لضحاياهم رواد المتحف، وإلى اليسار تجسيد لإحدى آلات التعذيب الضخمة المنتمية الى العصور الوسطى، وهي «عجلة تكسير عظام ومقصلة للإعدام»، علماً أن المتحف يقع في مبنى كبير شهير في المنطقة أُمنت بواباته بأرقام سرية لا بد أن يكتبها الزائر حتى يدخل الجحيم «كوسيلة لتأمينه من الاختراق».

يأخذ المتحف زواره في رحلة عبر التاريخ الإجرامي المتزامن مع عصر الإنسان الأول الذي استخدم الحجر أداةَ قتل حين قتل به قابيل أخاه هابيل، قبل اللجوء إلى السيف والفأس والمنشار، مروراً بالمقصلة وغرفة الإعدام وكراسي المسامير والخازوق، وصولاً إلى العصور الوسطى المؤرخة للوجه القبيح لأوروبا في عصور ظلامها عبر سبل تعذيب «محاكم التفتيش» لمعاقبة من يمتنع عن دفع صكوك الغفران. وكانت شوكة الهرطقة التي توضع على الحلق وكرسي المسامير الحادة التي تصل إلى 2000 مسمار يثبت عليه الشخص المراد تعذيبه عارياً بعض تلك الأدوات.

الوسيلة ذاتها استخدمها الإسبان لتعذيب المسلمين في الأندلس، إضافة إلى «الصندوق الأسود» الأشبه بتابوت طولي مليء بالمسامير الطويلة والحادة يوضع فيه الضحية ويغلق عليه ويترك لينزف حتى يموت موتاً بطيئاً. وإذا أرادوا قتله غرزوا حربة من فتحة خارجية موجهة إلى قلبه فيموت في الحال.

وخصص متحف «بوابة الجحيم» جزءاً لأدوات التعذيب في العصر الحديث بداية من تلك الشاهدة على بشاعة الاحتلال الأجنبي الذي استخدم الخازوق لإعدام مدافعين عن الاستقلال وصل طوله أحياناً إلى 4 أمتار، وكذلك «الصندوق الأسود» الذي استخدمه الإنكليز في إعدام ضحايا دنشواي في إحدى القرى المصرية. إضافة إلى الوسائل الخاصة بمعتقل غوانتانامو الأميركي، وجهاز يشبه قفص العصافير لكنه متين ومحكم الغلق يوضع داخله الضحية ويعلق القفص أعلى بئر فيها مساجين آخرون، ويترك حتى يموت داخل القفص وتتساقط الديدان من جسده المتحلل مع أجزاء منه على المساجين.

ولم يغفل المتحف أشهر سيدتين في تاريخ الجريمة ريا وسكينة (سفاحتان مصريتان تخصصتا في قتل النساء للسرقة في عشرينات القرن التاسع عشر).

ساندت وزارة الداخلية المصرية المتحف التوثيقي الذي فتح أبوابه للمرة الأولى عام 2011، إذ أرسلت إلى المتحف ملابس حمراً يرتديها المحكوم عليهم بالإعدام قبيل تنفيذه، إضافة إلى حبل للإعدام.