صلاح الجودر

لا تزال مصر العروبة وقلب الأمة النابض تتعرض لمحاولة تأجيج العلاقات مع الدول العربية، والنفخ في الصراع الديني بين المسلمين والأقباط، فسنوات ومصر تدافع عن أمنها واستقرارها، وتتصدى للجماعات الإرهابية التي تحاول النيل من هويتها ومكانتها ومكتسباتها، وقد أثبتت مصر بشعبها وقيادتها وجيشها بأنها أقوى من تلك القوى الظلامية التي تحاول تعكير الأمن والاستقرار فيها بعد أن فشلت في تحقيق مرادها في أيام الربيع العربي!!

قبل أيام تعرّضت مصر لعمليتين إرهابيين، فقد استُهدِفت الطائفة القبطة في أيام عيد الفصح لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، فقد تم تفجير قنبلة بالقرب من كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا وراح ضحيتها 25 شخصًا وجرح ما يقرب من 78 آخرين، وفي الاسكندرية فجر انتحاري (أهبل) نفسه بالقرب من الكاتدرائية المرقسية في مدينة الإسكندرية وراح ضحية الانفجار 11 قتيلاً و35 جريحًا، وكالمعتاد تبنى تنظيم الدولة (داعش) مسؤوليته لإي أنفجار في العالم.

إن هذا التفجير يُعيد بنا الذاكرة إلى التفجير الذي وقع في الكتدرائية المرقسية بالعباسية في 13 ديسمبر 2016م وراح ضحيته 28 شخصًا وأصيب 70 آخرين، وجميعها لتصور المشهد على أن هناك صراعًا بين المسلمين والأقباط، وهي محاولات سافرة لتأجيج النفوس وزرع الفتنة وإشعال الصراع الأهلي كما هو حاصل اليوم في سوريا والعراق!

إن حادث الكنيستين يذكرنا بالتفجير الذي وقع في مسجد القديح بالمنطقة الشرقية، والتفجير الذي وقع في مسجد الصادق بالكويت، واستهدف شيعة البلدين لتأجيج الصدور وإيقاع الصدام والصراع، وقد أعلن تنظيم الدولة (داعش) مسؤوليته عن العمليتين، ولكن كلا الشعبين (السعودي والكويتي) قد فوّتا الفرصة على دعاة الفتنة، حين ألتفّوا حول قيادتهما السياسية وأعلنوها صراحة (لا للإرهاب)، مصر اليوم تعيش نفس السيناريو الذي أعلن تنظيم الدولة (داعش) مسؤوليته وراح ضحيته أناس أبرياء قد ذهبوا لتأدية صلواتهم في أيام عيدهم!

في التفجيرين (طنطا والاسكندرية) استهدفت أرواح أناس أبرياء، فارتفعت أرواحهم إلى الملكوت الأعلى ونال الإرهابيون الخزي والعار، المؤسف أن القتلة يحاولون تصوير الأقباط على أنهم كفرة ويحل قتلهم، ولكن ديننا الإسلامي الحنيف نهى عن قتل النفس، بل ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكد على العلاقة مع أقباط مصر، وهذا ما سار عليه خلفاؤه وأصحابه من بعده، لذا لم نقرأ في كتب التاريخ بأن المسلمين قد اعتدوا على الأقباط أو كنائسهم أو أملاكهم وأموالهم، بل إن أقباط مصر قد كانت لهم مواقف مشرفة مع المسلمين في التصدي للحملات الصليبية التسع وغيرها من المواقف التي تؤكد على الإنتماء الوطني لمصر العروبة.

إن التفجيرين الإرهابيين استهدفا اللحمة الوطنية المصرية، وهي تأتي في سياق اجتماعي بالغ الحساسية، ففي الوقت الذي حصدت فيه الأرواح البريئة أحدثت ردود فعل غاضبة عند الناس، وهذا أمر طبيعي لأهل المفقودين والمصابين، وهي في ذات الوقت - مع الأسف الشديد - ما ينشده مدبرو العمليتين ومنفذوها، فكلما سقط ضحايا أكثر زادت حدة التوتر الجماهيري، وقد تفرز حالة من الانتقام قد تتجاوز قوة التفجيرين كما حصل في العراق حين تم تفجير المرقدين وبعض المساجد وغيرها من الأعمال الإرهابية.

إن تبني تنظيم الدولة (داعش) للتفجيريين يؤكد على أن هذا التنظيم هو إرهاب عابر للحدود، فهو بلا شك ليس من صنيع أبناء مصر العاشقين لترابها، ولا تمثل الشعب المصري الذي يختلف عن شعوب الأرض، الغريب أن تنظيم الدولة (داعش) يستهدف مساجد الشيعة في دول الخليج العربي وكنائس الأقباط في مصر، ويغفل عنهم في العراق وسوريا، إن الاستراتيجية التي ينتهجها هذا التنظيم الإرهابي تهدف إلى إفتعال الصدام في هذه الدول لإشعال الفتنة فيها.

من هنا فإن المسؤولية تحتم التحرك لمواجهة الإرهاب الذي يسعى لتشويه صورة الإسلام، وتصوير المسلمين بأنهم قتلة وسفاكي الدماء، ومع أننا نتعاطف مع الضحايا والمصابين وأهاليهم إلا أن انسياق المجتمع خلف دعوات الانتقام والثأر يشبع رغبات الجماعات الإرهابية، فالجميع يعلم بأن العمليتين الإرهابيتين قد جاءتا مع عيد الفصح عند الأقباط للتأكيد على بشاعة إجرامهم، فرحم الله من مات، والدعوة بالشفاء للمصابين، والله نسأل أن يحمي مصر وشعبها.