أحمد أميري

لم تعد نظرات الاتهام بالتطرف تسدد من قبل النخب الغربية نحو مليار وسبعمائة مليون مسلم يتوزعون على عشرات الفرق‏‭ ‬والمذاهب، ‬فثمة ‬توجه ‬بين ‬تلك ‬النخب، ‬وليس ‬لدى ‬عامة ‬الناس ‬في ‬الشوارع، ‬إلى ‬ربط ‬التطرف ‬بتيار ‬واحد ‬في ‬داخل ‬الإسلام ‬دون ‬غيره.

فقد دعا رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس المسلمين في بلاده إلى شنّ معركة ضد السلفية، وأعلن وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير قراراً يقضي بحظر نشاط إحدى الجماعات السلفية، وصرّح عمدة العاصمة البلجيكية إيفان مايور بأن مساجد بروكسل في يد السلفيين، وفي البرلمان الهولندي نوقش مشروع قانون بشأن حظر المنظمات السلفية، وفي حديثه الشهير لمجلة «أتلانتيك»، عزى أوباما تحوّل إندونيسيا إلى بلد غير متسامح إلى المدّ السلفي.

وهذا التقييم الذي تحظى به السلفية يلقى ترحيباً لدى بعض غير السلفيين، فهكذا يُبرئ الإسلام كدين لا يقتصر على السلفية من اتهامات التطرف، كما أن السلفية بطبيعة خطابها الحاد والإقصائي أحياناً أبعدت الجميع عنها، ولا فرق في هذا بين السُّنة من غير السلفيين، صوفية كانوا أو غير صوفية، أو من بقية المذاهب، وكذلك من الليبراليين والعلمانيين، وكل من هو ليس سلفياً.

وفي اعتقادي أن خمسة عوامل رئيسية أدت بالسلفية إلى هذا الحال، ويتمثل العامل الأول في الخطاب السلفي المتصادم مع الجميع، مسلمين وغير مسلمين، والمصادم مع أساليب الحياة الحديثة، إلى درجة يُلاحظ فيها اجتماع الكلمة على نسبة التطرف لبعض السلفيين، رغم أن الموروث الذي يستقون منه جميعاً ليس خالياً من التشدد.

أما العامل الثاني فهو عدم وجود مرجعية واحدة للسلفيين، إذ من شأن وجود المرجعية ضبط التصرفات العشوائية، ونأي النفس عن الفئات غير الملتزمة، ومن ثم عدم تحميل السلفية تبعات سلوكها.

ويتمثل العامل الثالث في التنظيمات الإرهابية، كـ«القاعدة»، و«داعش»، و«بوكو حرام» وغيرها، والتي تنسب نفسها للسلفية وليس لأي تيار آخر، رغم أن رموز السلفيين ينكرون هذه النسبة في كل مناسبة، ويعتبرون أنفسهم الامتداد الطبيعي لسلف الأمة.

ويتمثل العامل الرابع في الصراعات السياسية بين الدول، وكذلك بين الفرقاء السياسيين على مستوى البلد الواحد، وإدخال السلفية ضمن هذه الصراعات، فصارت الأخيرة تتلقى الضربات، وتُسدد بها الضربات أيضاً، لا من حيث كونها تياراً دينياً، وإنما لاعتبارات سياسية، كما هو الحال مع الشيعة كمذهب، و«الإخوان» كتنظيم، على عكس الإباضية كمذهب، و«التبليغ والدعوة» كجماعة، فهما خارج الصراعات السياسية، ومن ثم لا تلفتان إليهما الأنظار.

أما العامل الخامس فيكمن في اتساع الرقعة الجغرافية للسلفية، ومن ثم يكثر تشابك السلفيين بالآخرين في البلدان الإسلامية، وفي تجمعات المسلمين في الدول غير الإسلامية. وهكذا في العالم الافتراضي، هناك حضور كثيف للسلفية في المواقع والمنصات الإلكترونية، ومن يتكلم كثيراً يخطئ كثيراً، وفي مقابل فيديو واحد لرجل دين شيعي يقول فيه كلاماً لا يقبله العقل، تنتشر ثلاثة فيديوهات لسلفيين يقولون فيها كلاماً غير مقبول في هذا العصر.

وبدلاً من أن يعيد السلفيون حساباتهم، ويطوروا خطابهم، ويتصالحوا مع قيم الحداثة، يكتفون بتصوير الأمر كأنه مواجهة بين الحق والباطل، الحق الذي يتجلى فيما هم عليه، والباطل الذي يمثله كل من سواهم.