جمال عبد الجواد

وصل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض محمولا على موجة قوية من المشاعر المعادية للمسلمين وللأجانب وللعولمة، وهى جرعة كبيرة من العداء والمشاعر السلبية

يصعب أن تقوم على أساسها سياسة خارجية ناجحة. زيارة الرئيس ترامب للرياض هى أول محطة خارجية له، وفيها يحاول التعامل مع التناقضات الكامنة فى تفضيلات ناخبيه التى أسهمت دعايته الانتخابية فى تكريسها، ومع النتائج المحبطة التى واجهت سياسته الخارجية خلال الشهور الأربعة الماضية. 

المؤيدون لترامب يرفضون العولمة، وما تأتى به من سلع مستوردة رخيصة إلى السوق الأمريكى، وما تتسبب فيه من انتقال الوظائف وفرص العمل مع الاستثمارات الصناعية من وطنها فى أمريكا إلى بلاد فيها العمالة أرخص ومعدلات الضرائب أقل. الأجانب غير المحبوبين من جانب ناخبى الرئيس ترامب هم المهاجرون الذين يأتون لأمريكا بثقافاتهم الغريبة، فيسرقون فرص العمل الأمريكية بأجورهم الرخيصة، فيما يستفيدون من نظم الرعاية الاجتماعية التى تحمل عدة أجيال من الأمريكيين تكلفة بنائها. المسلمون من بين كل الأجانب الأغراب يتلقون نصيبا أكبر من مشاعر مؤيدى الرئيس ترامب السلبية. المسلمون بثقافتهم المحافظة، وملابس نسائهم الغريبة، وطريقتهم المميزة فى الصلاة، وبالإرهاب الذى يصدرونه إلى كل مكان يحظون بمكانة خاصة بين الفئات المكروهة من جانب ناخبى الرئيس الأمريكي. 

ناخبو ترامب يريدون وظائف أكثر، ويريدون أمريكا قوية متسيدة، لكن بتكلفة مقبولة، ويريدون إبقاء الغرباء بعيدا للحفاظ على نقائهم العرقى والثقافى، ويريدون أمنا أفضل ضد الإرهاب. دعاية ترامب الانتخابية قامت على أن رؤساء أمريكا السابقين كان فيهم من التفريط والسذاجة ما جعلهم يورطون الولايات المتحدة فى علاقات واتفاقات تتحمل أمريكا بمقتضاها تكلفة كبيرة كان يجب تحميلها لدول أخري، فيما فتحت أمريكا حدودها لمنتجات أجنبية رخيصة، ولغرباء يزاحمون الأمريكيين فيما بقى لهم من وظائف، ويغيرون من شكل الحياة فى المدن الأمريكية. 

الرئيس ترامب ومؤيدوه يرون أن الولايات المتحدة كانت هى الطرف الخاسر فى زمن العولمة، وأن تصحيح هذا الوضع بات أمرا ضروريا. أصدر ترامب عدة قرارات لمنع المسافرين المسلمين القادمين من بعض الدول من دخول الولايات المتحدة، فتولى القضاء تعطيل هذه القرارات. تم التخلى عن مشروع بناء سور على حدود أمريكا مع المكسيك بسبب التكلفة الكبيرة التى رفضت المكسيك تحمل أى جزء منها رغم محاولات الرئيس ترامب بهذا الخصوص. علاقة التعاون التى وعد بها ترامب مع روسيا أصبحت غير ممكنة، بعد اتهام روسيا بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية لصالح المرشح ترامب، وبعد اتهام مساعدى ترامب بعلاقات غير قانونية مع مسئولين روس. العولمة وحركة رءوس الأموال وخلق الوظائف قضايا معقدة ومتشعبة يصعب على الرئيس الأمريكى التأثير فيها. التعاون الصينى فى احتواء كوريا الشمالية أكثر أهمية من مشكلات سعر صرف العملة الصينية وصادرات الصين الرخيصة لأمريكا. 

لكل هذا جاء الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط أولا. فمبادرات الرئيس ترامب الخارجية لم تحقق من النجاح ما يوازى الوعود الكبيرة التى أطلقها المرشح ترامب، وسياسة أمريكا الخارجية تحت قيادة الرئيس ترامب مازالت تبحث عن عنوان وتوجه استراتيجى جامع ينظم مبادرات الولايات المتحدة فى الاتجاهات المختلفة. وحتى يتوافر مثل هذا التوجه الاستراتيجى فإن الرئيس الأمريكى يحتاج إلى مشهد كبير يجتذب الأضواء، ويوحى بالنجاح والإنجاز، ولا شيء يمكن أن يعطى الإيحاء المطلوب أكثر من ثلاث قمم سعودية وخليجية وإسلامية يعقدها الرئيس فى مدينة واحدة، أو أكثر من مشهد الرئيس الأمريكى وهو يلقى خطابا فى حضور خمسة عشر أو أكثر من قادة الدول الإسلامية بملابسهم المميزة، وعلينا أن نتذكر دائما أن الرئيس ترامب صاحب خبرة إعلامية كبيرة فى مجال إنتاج وتقديم البرامج التليفزيونية، وأن الاستراتيجية الإعلامية الناجحة لحملته الانتخابية كانت هى الأداة الرئيسية لتحقيق الانتصار فى الانتخابات الرئاسية. 

الرئيس ترامب يأتى إلى الشرق الأوسط ليس بسبب الأولوية التى حظى بها الشرق الأوسط على جدول اهتمامات الرئيس منذ البداية، ولكن لأنه فى الشرق الأوسط يمكن للرئيس تحقيق نجاحات يصعب تحقيقها فى مناطق أخري. فهزيمة داعش وإخراجها من مناطق تسيطر عليها تجرى على قدم وساق، ومن المفيد للولايات المتحدة أن تضع نفسها على رأس المنتصرين فى هذه الحرب. والحرب فى سوريا تتجه إلى تسوية وفقا للشروط الروسية، ولا بأس للولايات المتحدة أن تترك بصمة على هذه التسوية عبر رعاية الشريط/الإقليم الكردى فى أقصى الشمال. 

زيارة الرئيس ترامب الرياض تعزز بقوة موقف العربية السعودية فى الصراع الدائر مع إيران فى الخليج وفى الشرق الأوسط برمته، وفى محاصرة النفوذ الإيرانى مصلحة أكيدة لأغلب العرب. إيران توسع نفوذها فى البلاد المجاورة مرة بدعوى مبادئ الثورة الإسلامية، ومرة عبر التلاعب بمشاعر التضامن الشيعى، ومن مصلحتنا محاصرة الأمرين معا. من غير المعروف ما هى الجهة التى ولدت فيها فكرة القمة الأمريكية العربية الإسلامية أولا؟ فهل نبتت الفكرة فى الرياض لتأكيد مركزية المملكة ومكانتها القيادية أم أنها نبتت فى واشنطن بنية تفعيل السياسة الأمريكية فى منطقة محورية تم إهمالها فى عهد الرئيس السابق أوباما؟ لا نعرف إجابة لهذا السؤال حتى الآن، ولكن المؤكد أن المسئولين فى العاصمتين استحسنوا الفكرة، ووجدا فيها من الفوائد ما دفعهم لتبنيها. 

لقاءات القمة تأتى تتويجا لتفاهمات تم التوصل إليها واتفاقات تم عقدها، ومن غير الواضح ما إذا كانت هناك تفاهمات واتفاقات تم التوصل لها بين الولايات المتحدة وممثلى الخمسة عشر بلدا عربيا وإسلاميا يشاركون فى القمة. الأرجح أن مبادرة ما تخص فلسطين سوف يتم إطلاقها فى هذه القمة، لكن من غير المرجح أن نجد لدى الرئيس ترامب حلا سحريا للصراع العربى الإسرائيلي، وحتى يخرج الأرنب من قبعة الرئيس الأمريكى فإن الصراع بين العرب واليهود فى فلسطين سيظل مجالا جذابا للمبادرات، المفيدة وغير المفيدة أيضا. فالمهم فى هذه القمة ليس هو ما سوف يتحقق فيها من إنجازات، لكن المهم فيها هو الاحتشاد والظهور فى المشهد. فالغياب عن القمة له تكلفته، والحضور فيها يجب أن يحظى بمكافأة.