عبد الله جمعة الحاج

حضر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، قمم الرياض الثلاث التي عقدت بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وقادة ما يقارب خمسا وخمسين دولة عربية وإسلامية، وقد كان حضوره بارزاً ومميزاً وعاكساً للأهمية التي توليها دولة الإمارات للأحداث والتطورات الإقليمية والعالمية الجارية، ولأهمية الدور الذي يمكن للولايات المتحدة أن تلعبه في حل المشاكل الاستراتيجية والأمنية التي تواجهها منطقة الخليج العربي ودول العالمين العربي والإسلامي. والواقع هو أن العلاقات بين دولة الإمارات والولايات المتحدة قائمة ومستمرة لما يزيد على خمسين عاماً، ومنذ الأزمان التي بدأت فيها الولايات المتحدة في التوجه نحو المنطقة سعياً وراء تحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية فيها.

وأثناء تشريف ومشاركة الشيخ محمد بن زايد في لقاءات واجتماعات القمم الثلاث كان واضحاً أن تركيزه الشديد منصب على أن علاقات دولة الإمارات بالولايات المتحدة راسخة وثابتة عبر السنين، ولا يمكن أن تشوبها أية شائبة يمكن أن يتسبب فيها فكر فردي أو توجهات حزب أو غير ذلك من المعوقات السطحية العابرة. وهذا النمط من التفكير الاستراتيجي بعيد المدى ينطلق من نظرة سموه العميقة إلى ما يدور في المنطقة من أحداث وما يمر به العالم من مآسٍ يتسبب فيها الإرهاب والدول الداعمة له خاصة إيران، وهي نظرة تختلف بطرق شتى عما يقوله ويمارسه قادة كثيرون سواء من داخل المنطقتين الخليجية أو العربية أو من خارجهما. وبهذا الصدد يوجد منهجان واضحان في فكر محمد بن زايد نحو ما يدور في عالم اليوم: الأول، هو وجود إرث ثقافي إماراتي راسخ من الثقة بالنفس والقدرات قائمة على الإحساس القوي بالهوية الوطنية الإماراتية- العربية الخاصة التي يمكن لها من خلالها تحقيق أكبر قدر من المصالح للوطن وللمواطنين. والثاني هو الشعور بالمخاطر الخارجية التي تتسبب فيها إيران للإقليم الخليجي بشكل خاص وللعالمين العربي والإسلامي بشكل عام، وللمخاطر الآتية من الإرهاب الذي تتسبب فيه الجماعات المتطرفة والإرهابية المنتشرة عبر عدد كبير من دول العالم كـ«الإخوان المسلمين» و«داعش» و«حزب الله» و«القاعدة» و«النصرة»، وهو شعور قائم على التجربة التاريخية التي أثبتت أن الإمارات ودول التعاون محاصرة بخطر الإرهاب ومن يدعمونه حول العالم.

وهذا الفكر العميق المستنير يعكس تميز القيادة في دولة الإمارات من خلال شخصية محمد بن زايد، ويوضح بأن ذلك جلي كالشمس الساطعة، في نفس الوقت الذي يتضح فيه كيف أن هذه القيادة تختلف كثيراً فيما تقوم به وتمارسه عما يقوم به ويمارسه غيرها، وهو الأمر الذي يوفر المفتاح إلى السر الذي يمكن الآخرين من فهم النظرة الفريدة للشيخ محمد نحو هذا العالم وقضاياه الملتهبة، وبالتالي فهم مواقف دولة الإمارات الخارجية وسلوكها الخارجي بشكل عام ونحو الولايات المتحدة بشكل خاص.

إن التميز في فكر محمد بن زايد والخصوصية التي يتسم بها تقوم على النظرة المختلفة نحو قضايا يمكن وصفها بأنها تتعلق بالخصوصية الإماراتية- الخليجية، وبالارتباط بالعرب الآخرين، وبالتوجه الاستراتيجي بعيد المدى نحو دول العالم الإسلامي، وأخيراً بالتعامل مع الولايات المتحدة على أساس أنها القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم التي يمكن لدولة الإمارات تحقيق الكثير من مصالحها في داخل المنطقة وخارجها عن طريق التحالف والشراكة الاستراتيجية الراسخة معها.

وبغض النظر عن العديد من الظروف التي سادت أثناء انعقاد قمم الرياض الثلاث، فقد كان وجود الشيخ محمد بن زايد فيها مؤثراً وفاعلاً، خاصة فيما يتعلق بالقضاء على الشعور العميق بأن أمن الخليج العربي مهدد ومحاصر من قبل إيران والإرهاب والدول الداعمة له، وبتعزيز فكرة البحث عن الأمن وتحقيقه من خلال الإمكانيات الذاتية لدول المجلس كأمر مبدئي وأخلاقي وثابت، ثم بعد ذلك عن طريق التحالف الاستراتيجي وتحقيق المصالح العسكرية والاقتصادية مع الولايات المتحدة. وخاتمة القول هي أن حضور محمد بن زايد لقمم الرياض الثلاث ساهم كثيراً في نجاحها، وجعل دول مجلس التعاون تخرج منها وهي أكثر اطمئناناً على مصالحها ومستقبلها. وفقك الله يا صاحب السمو وأمدّك بسند من عنده وحفظك ذكراً وسنداً لهذا الوطن ومواطنيه.

--------------