كتّاب إماراتيون يرون أنها تغرد خارج السرب ويؤكدون: «الجزيرة».. صوت نشاز يشق وحدة الثقافة الخليجية

عبر مثقفون إماراتيون عن انزعاجهم من التصريحات التي صدرت عن دولة قطر مؤخراً، والتي ستدفع، لو استمرت، نحو شق الصف الخليجي، وطالبوها بالعودة إلى رشدها، وتبني خيارات تعزز الوحدة السياسية والثقافية لدول الخليج، ولفتوا إلى دور قناة الجزيرة في تشجيع الفكر المتطرف والترويج له بكافة السبل الممكنة فضلاً عن دأبها على زرع الشقاق بين أبناء الثقافة الواحدة، وأكدوا على ضرورة أن يكون للمثقف دور فاعل وإيجابي إزاء ما يجري، من خلال العمل على عودة اللحمة إلى أبناء هذه المنطقة التي تتميز ببعد عروبي وإسلامي ينزع إلى السلام ونبذ العنف وينادي دائماً بإشاعة قيم الخير والمحبة والتسامح.
يقول الدكتور علي بن تميم، الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، أعتقد أن الشعب القطري قادر على أن يرفض مثل هذه التوجهات، وإذا أردنا أن نتحدث عما يحدث الآن، فهو لا يمس عمق الروابط الثقافية والروحية الخليجية. إن ما يجري اليوم هو انكشاف كامل خاصة لأولئك المرتابين الذين كانوا يعتقدون أن ما جرى سابقاً بين الإمارات والسعودية وبين قطر كان خلافاً سطحياً. لا، الأمر ليس مجرد خلاف، اليوم تكشّف أنه أكبر من ذلك، إنه يمس الوجود الخليجي، وأعتقد أن ما يتصل بمآلات ومصائر هذا الوجود لا تستطيع حكومة قطر أن تقفز عليه.
نحن نعرف أن الشعب الخليجي لديه القدرة على الفرز، ولديه القدرة على الفهم، وليس ذلك فقط على مستوى القضايا الهامشية، بل على مستوى قضايا المصير، لذلك فإن صانع القرار القطري يدرك أنه مهما شغّل وسائله الإعلامية كقناة الجزيرة وموقع العربي الجديد وموقع الخليج الجديد، وغيرها، فإن الكذب بات مكشوفاً.

ما رأيناه من مبادرات سياسية قطرية وتصريحات وممارسات تهدف إلى زرع الشقاق أكثر، لكن من خلال متابعتنا للموضوع على المستوى الشعبي، فإننا نكتشف أن الأمر مختلف، فالتلفزيون القطري الرسمي يحاول اليوم أن يدافع عن نفسه، وعن القرار السياسي، ويسعى إلى أن يقدم مبررات من قبيل الاختراق، وكأنه لا يوجه الكلام للشعب الخليجي بل للداخل القطري، وهذا يحصل لأول مرة، بمعنى أن هناك معضلة داخل قطر.
وأضاف: أريد أن أوجه التحية هنا لدول مجلس التعاون خاصة الإمارات والسعودية على قرارهم بإيقاف بث قناة الجزيرة، وغيرها من المواقع التي تشبهها، ونحن ندرك جميعاً أن قناة الجزيرة وشبيهاتها من أدوات الإعلام سُكت عنها طويلاً، رغم اشتغالها طويلاً على التحريض وزرع الشقاق، وارتفاع نسبة العداء نحو الأشقاء في خطابها، وهذه فرصة لأن تمنع في العالم العربي ككل.
وأكد ابن تميم أن هناك أدلة تاريخية كثيرة تثبت أن ثمة أنظمة حاولت أن تنطلق خارج سياقاتها وفشلت، ولو افترضنا جدلاً أن صانع القرار القطري يعتقد بصحة احتضانه لخطاب جماعات معينة، فإن ذلك السعي سيفشل لأنه سيصطدم باختلافه مع الشعب القطري، ومع المجتمع الخليجي، وقادة الخليج بشكل عام.

تزييف الحقائق

سلطان العميمي مدير أكاديمية الشعر، قال، لا شك أن الإعلام يشكل جزءاً من التراكم الثقافي للمتلقين، وقناة الجزيرة والإعلام القطري أيضاً مارسوا خلال السنوات الماضية تزييفاً للحقائق، ودعم الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر، واستطاعت الجزيرة تشويه الكثير من الحقائق في الدول العربية، خدمة لمصالحها ونواياها غير الطيبة، وفي نفس الوقت بثت رسائل فيها إشارات لجماعات إرهابية وقياداتها، حيث تستضيفها وتتفرد بمحاورتها، كل ذلك ترك ثقافة مغلوطة عند الكثير من المتلقين العرب، والآن وصل الأمر بهم إلى محاولة شق الصف الخليجي والعربي عموماً من خلال المواقف السياسية الأخيرة والمرتبطة أيضاً بدعم الجماعات الإرهابية.
وأضاف: من الواضح أن الميزانية الضخمة التي سخرت لقناة الجزيرة لا تعكس نوايا طيبة، ويتجلى ذلك في أن القنا منذ بداياتها لم تكن تنظر للجماعات الإرهابية على أساس أنها كذلك فعلاً، ويكفي للدلالة على ذلك أنها تطلق على «داعش» مصطلح تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا توجه خاطئ، وليس في صالح الوقوف ضد الإرهاب الذي ينبغي أن نقف جميعاً ضده، وحتى لو نظرنا لاستخدامها لبعض المصطلحات الأخرى كلفظ الشهيد مثلاً، نجد أن قناة الجزيرة في خطابها تستخدمه لوصف من يقتلون من مراسليها مثلاً، لكن حين يأتي للحديث عمن يستشهدون في ميدان الدفاع عن الشرعية والحق فهي تسميهم قتلى، وهذا جزء من دس السم في العسل الذي تمارسه الجزيرة، ومن الواضح أن لديها أجندتها الخاصة فيما يتعلق بنشر مثل هذه الثقافة.
وخلص العميمي إلى أن ما تفعله قطر الآن هو لعبة خطرة على المنطقة كلها، فالأمور تعرت وأصبح واضحاً من هو مع الإرهاب ومن هو ضد الإرهاب، وعليهم ألا يعتقدوا أن الأموال وحدها كافية لصنع قوة أو مكانة ما، فهناك دول - حين يتعلق الأمر بأمنها وسلامة شعبها وأهدافها الاستراتيجية - لن تسكت على أي جهة تدعم الإرهاب في أي منطقة في العالم، سواء كانت تلك الجهة عربية أو أجنبية، وما تفعله السياسة القطرية الآن ليس في صالح المنطقة ولا في صالح قطر نفسها، وستكون أول المتضررين منه.
الكاتب نجيب عبدالله الشامسي، آثر أن يتحدث عن الجانب التنويري الذي يجب أن يقوم به المثقف العربي والخليجي، وهو دور يجب أن يكون إيجابياً في المفاصل المهمة التي تستدعي نوعاً من العقلانية والحكمة.. دور مهم بكل تأكيد لخلق أجواء من السلام والتعايش والمحبة، يقف ضد ثقافة التطرف والعنف.
وقال الشامسي إن جبهة المثقفين والفنانين من كتاب وشعراء ورسامين ومسرحيين وغيرهم، هي شريحة لا يستهان بها، لكن مع الأسف ما زال صوتها خفيضاً، وليس مؤثراً في المنطقة العربية بشكل عام، هذه المنطقة التي تتنازعها أصوات نشاز تعمل على خلق بذور الفتنة والتطرف.
بدوره قال الشاعر كريم معتوق «إن ما نكنه من محبة عميقة للشعب القطري، تجعلنا نطالب بأن تكون هناك تصريحات رسمية من قطر، تخالف التصريحات التي أدلت بها، والمطلوب تصريح يعبر عن موقفها مما قيل، ونقصد أن يرتقي التصريح إلى تأكيد يتجاوز الإنكار».
وأضاف: «كمهتم بالأدب، أرى أن الثقافة هي خط واصل يميز الشعوب حين تختلف السياسة، والثقافة تبني جسوراً من التعاون والتلاقي على الأهداف العامة، ومما يؤسف له أن المثقف القطري لم يبد أي امتعاض أو استنكار مما تم التصريح به على المستوى الرسمي».
وتابع: «أنا أؤمن بضرورة وجود خطاب ثقافي في كل مجتمع تكون ركائزه وأسسه هي المحبة والأخوة، والبعد عما يوتر العلاقات بين شعوب المنطقة.
أما القاص محسن سليمان، فقال: «قطر ربما أخطأت، وأنا أرى أن هناك عدم وعي، وعدم إدراك، لما يحدث حولها، وسوء تقدير عندها في التفريق بين الصديق والعدو». وأضاف: «نحن بحاجة إلى حكمة وبعد نظر، والقليل من الهدوء لدراسة الأهداف والمنطلقات في مشاريعنا الفكرية والثقافية، وهو دور منوط بالمثقف القطري والخليجي على حد سواء لاستشراف واقعنا، ومن هنا، فمن غير المنطقي أن تحاول قطر التغريد خارج السرب الخليجي والعربي».
وأكد سليمان أن هناك رهاناً لا يستهان به على المثقف القطري لتجاوز هذه الأزمة، وبدء مرحلة جديدة من رص الصفوف وبذل أقصى ما يمكن لرأب الصدع، فقطر في نهاية المطاف جزء لا يتجزأ من المنظومة الخليجية، ومراجعة المواقف وإصلاح الخلل هو أمر واجب عليها في مثل هذه الظروف التي تستوجب مواقف حاسمة.
الكاتبة أسماء الزرعوني أكدت أن الخليج العربي يتسم بثقافة مشتركة تطبع شعبه منذ قديم الأزل، وأن علاقات هذه المنطقة يغلب عليها التجانس والتناغم في العادات والسلوكات والنزوع نحو السلم والمحبة والتعايش مع كافة دول العالم.
وارتأت أسماء الزرعوني أن يتم التركيز على دور المثقف لتجاوز الخلافات، وأن يضطلع بدور أكبر ينأى عن توتير العلاقات، وأن يكون دوره إيجابياً وإصلاحياً، يحول دون استفحال المشاكل بين أبناء المنطقة، وأن يعمل على نزع فتيل التوترات ومحاولة استدراج قيم الخير لتقف حائلاً دون استفحال قيم التطرف والعنف.

أدوار غير مفهومة

أما الفنان التشكيلي خالد الجلاف فتناول الدور الإعلامي وخطورته في مثل هذه المواقف، مشيراً إلى ضرورة وضوح الرسالة الإعلامية، وإلى ضرورة أن يكون للمثقف دوره وموقفه.
وأكد الجلاف على متانة العلاقات بين شعوب منطقة دول الخليج، معرجاً على دور قناة الجزيرة في صنع واقع ثقافي متشظٍ، لافتاً إلى أن رسالتها موجهة نحو قضايا بعيدة عن المواطن الخليجي ونادراً ما تتناول الثقافة المحلية، وهي قناة بلا طعم، تنصرف نحو أدوار غير مفهومة بالنسبة للخليجيين والعرب، وقد كان دوروها في الأزمة الحالية يشبه مسيرتها تماما في صنع الأزمات.
ويرى الجلاف أن القناة تخدم ثقافة متطرفة وهي مسألة تعتمد على إنشأها والهدف من وراءها، والأجندة التي تعتمد عليها في رسالتها الإعلامية. واصفاً القناة بأنها تخدم أهدافاً غير معروفة وتثير الشكوك حول كثير من الأمور. مما يضع كثيرا من علامات الاستفهام حول دورها، موضحاً أن القناة تخدم ثقافة التطرف، وتزيد من حطب نارها، مؤكداً في ذات الوقت على وحدة دول الخليج، ووحدة شعوبها وثقافتها، وأن ما تثيره الجزيرة من مواضيع هو ضد هذه الثقافة، من خلال الرسالة الإعلامية التي لا تراعي الثقافة والتراث المشترك، وتعمل على التخريب أكثر منها على الإصلاح.