شتيوي الغيثي

وجود المعلومة الدقيقة وطريقة تحليلها بشكل علمي يجعل المعلومات تصل بشكلها السليم إلى عقول الناشئة بدلا من تلاعب العوالم الافتراضية بها وتجيير المعلومات إلى صالح الجهات المشبوهة

على هامش قمة الرياض قبل أسبوعين تقريبا تم تدشين مركز (اعتدال) الذي أنجز خلال فترة وجيزة ليتم إطلاقه في القمة، وهو ثمرة من ثمرات هذه القمة التي كان أحد أهدافها هو التحالف ضد الإرهاب، وجاء مركز اعتدال ليكون العمل الفكري والمعلوماتي والرقمي الذي يمكن من خلاله تحليل الخطاب المتطرف بسرعة وفق آليات تقنية تحليلية حديثة والتعامل معه وفق آليات أخرى، سواء سياسية أو فكرية أو غيرها، رصدا وبحثا ودراسة.
ولعل الميزة الأكبر في هذا المركز أنه دولي، بمعنى أن الذين يعملون فيه من مختلف دول العالم، وليس مقصورا على السعودية، وهذا يجعل الجهود تتكاتف من أجل التحقق من قضية الفكر المتطرف ومعالجتها بآليات حيادية تضمن إيجاد دراسات مختصة في هذا المجال وليست مجرد كتابات قد يأخذ الجانب الذاتي فيها الشيء الكبير، فالدراسات المختصة تعمد على تحليل المعلومة ونشرها، وأتمنى أن تكون هذه الدراسات منشورة للقراء والمطلعين الذين يهتمون بمعالجة الفكر المتطرف في أي مكان من هذا العالم. 


ربما هي المرة الأولى التي تشترك فيها دول الخليج والعالم العربي والإسلامي والدولي كذلك في توحيد الجهود لمعالجة الفكر المتطرف من خلال إنشاء هذا المركز. كانت الجهود سابقا أشبه بالمؤسسات المحدودة النطاق، أو أنها تتعامل مع مراكز بحثية قليلة، وليست على مستوى كبير، كما حصل لمركز اعتدال في الرياض الذي يأتي كثمرة لتحديد سياق واحد، وليس عشوائيا كما في السابق، لمحاربة التشدد والتطرف في عدد من البلدان، لأن ظاهرة التطرف تحولت من مناطق محدودة لتشمل كافة أقطار العالم حتى تلك الدول المتقدمة، فلم يعد أحد في حالة استثناء من عمليات الفكر الإرهابية الذي طالت أضافره حتى الدول الغربية، فضلا عن العالم الإسلامي والعربي، لذلك فهو ظاهرة عالمية كان يجب توحيد الجهود في التعامل معه، إضافة إلى أن الظاهرة الارهابية لها أسباب ودواع تختلف عن بعضها في الحالات المتطرفة في مختلف الدول، فالمتطرفون الذين يعيشون في الدول العربية لهم دوافعهم التي تختلف عن الذين يعيشون في الدول الإسلامية غير العربية، ويختلف هؤلاء أيضا عن المتطرفين الذين يعيشون في الدول الغربية، فمع اختلاف الحالات تختلف السياقات التي ولدت التطرف في أفكار الشباب الذين ينخرطون في التنظيمات الإرهابية، هذا غير أنه يمكن التعامل معها في معالجتها قبل استفحال الظاهرة لدى الشباب الذين يعانون من مشكلات في مجتمعاتهم، الأمر الذي ربما قادهم أو قاد بعضهم إلى الانخراط في التنظيمات الإرهابية، وربما يتعدى الأمر إلى دراسة تلك الدول التي ربما كان لها يد في دعم الإرهاب أو رعته، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وجمع المعلومات الدقيقة وبثها للعالم أجمع للاستفادة منها في تحجيم الدول التي لها صلة بهذه التنظيمات وهذا يعني أن الجهود لن تكون محدودة في دولة واحدة حتى لو امتلكت كافة الإمكانات في ذلك، بل يتوزع الجهد على كافة الدول لتكون المعلومات أشمل وأكثر دقة وأوسع انتشارا.
معالجة الفكر المتطرف تبدأ من المعلومة التي يمكن أن تتوفر بشكل صحيح أو على الأقل قريب من الصحة، بدلا من عشوائية المعلومات التي يصعب التحقق منها، ولذلك يأتي أهمية وجود هذا المركز لتحليل المعلومات وتجربة صدقيتها من عدمها، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية والعوالم الرقمية، فهي العوالم التي يصعب معها كشف الحقائق وتسرها، سواء بشكل صحيح أو خاطئ، خاصة عند من يعطي ثقته بهذه المواقع، خاصة أن فئة الشباب الذين أصبح العامل الافتراضي واقعهم الذي يتعاملون معه وهذا أمر مشهود، خاصة مع انتشار الأفكار المتطرفة في السوشل ميديا والتي تختلط أحيانا مع المعلومات الصحيحة لتعيد تشكيلها لصالح الأفكار المتطرفة، فضلا عن المعلومة الخاطئة من أساسها، ومن هنا فإن وجود المعلومة الدقيقة وطريقة تحليلها بشكل علمي يجعلان المعلومات تصل بشكلها السليم إلى عقول الناشئة، بدلا من تلاعب العوالم الافتراضية بها وتجيير المعلومات إلى صالح الجهات المشبوهة.


الحل يبدأ من المعلومة الدقيقة والدراسات المختصة في مجال التطرف ونشر الاعتدال لكن يبقى تعريف التطرف هو الذي يمكن أن يقود إلى تحليل المفاهيم بشكل سليم، ولعل المركز يقودنا إلى التصورات السليمة لهذا الفكر، خاصة أنه يضم تحته باحثين من مختلف العالم، ما يجعل الدراسات أشبه بتلك الدراسات الأكاديمية الرصينة، فدراسة الظاهرة هي دراسة لمعالجتها ولعل مركز اعتدال يكون الخطوة الأهم في محاصرة الفكر المتطرف وكشف سبله ومعالجة إشكالاته.